عام على سقوط نظام الأسد… والعدالة الانتقالية في سوريا ما تزال غائبة: دولة جديدة أم منظومة قديمة بوجه مختلف؟
مرّ عام كامل على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، لكن السوريين ما زالوا يعيشون بين ماضٍ مثقل بالانتهاكات وحاضر يحاولون فيه إعادة تعريف معنى الدولة والعدالة. ورغم الآمال التي رافقت التغيير السياسي، بقيت العدالة الانتقالية – التي كان يفترض أن تكون حجر الأساس في سوريا الجديدة – عالقة في مكانها دون أي تقدّم ملموس.
عام أول بلا ملفات مفتوحة:
خمسون عامًا من الحكم الأمني انتهت، وكان من المفترض أن تبدأ سوريا فورًا بمسار يكشف الحقيقة ويحاسب المسؤولين عن الجرائم، ويعيد للضحايا جزءًا مما فُقد. لكن العام الأول مرّ دون فتح الملفات الثقيلة أو حتى ظهور استعداد رسمي للتعامل معها بجدية، وفق موقع “الحل نت”.
ويقول موقع “الحل نت” إن هذه الحقيقة تطرح سؤالًا جوهريًا: هل نحن أمام دولة جديدة حقًا، أم نسخة معدّلة من المنظومة القديمة، تتقن تأجيل الحساب وإعادة ترتيب الذاكرة بما يناسبها؟
ما هي العدالة الانتقالية ولماذا تُعدّ منسية في سوريا؟
العدالة الانتقالية ليست شعارًا سياسيًا، بل منظومة قائمة على خمس ركائز:
1- كشف الحقيقة حول ما جرى.
2- محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات.
3- جبر الضرر للضحايا وأسرهم.
4- إصلاح مؤسسات الدولة، وخاصة الأمن والقضاء.
5- ضمان عدم تكرار الانتهاكات عبر بناء دولة القانون والمساءلة.
وفي سوريا، تبدو هذه الضرورات أكثر إلحاحًا من أي مكان آخر بعد نصف 14 عامًا من الحرب والاختفاء القسري ودمار المؤسسات.
لكن، بدلاً من أن تشكل العدالة بوابة العبور نحو سوريا جديدة، بقيت خارج جدول أعمال السلطة.
عامر دكّال… قصة تكشف انهيار مسار العدالة:
بين القصص التي تفضح غياب العدالة، تبدو شهادة الصحفي حازم دكّال هي الأكثر تأثيرًا.
فشقيقه عامر دكّال، لاعب نادي الشرطة والمنتخب السوري، اختُطف ثم أُعدم عام 2013 بعد اتهامات ملفقة بأنه “قنّاص في القابون”.
المسار المأساوي بدأ عندما سلّمه رئيس نادي الشرطة السابق وائل عقيل للأجهزة الأمنية. ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلة الاختفاء، التعذيب، ثم الإعدام… بلا محاكمة ولا دليل.
لكن الصدمة الكبرى كانت بعد سقوط النظام. إذ لم تجد العائلة عدالة ولا إنصافًا، بل أبوابًا مغلقة وبيروقراطية تهين الضحايا.
انتقلت العائلة إلى حمص، ثم دمشق، ثم إلى مكاتب وكلاء النيابة، لكن الشكوى بقيت مجمدة لأسابيع، إلى أن ظهر اسم أبو عمار شحيل -ضابط في الأمن الجديد- الذي كان يعرقل القضية ويحمي وائل عقيل مقابل نفوذ وأموال.
تحوّل حازم نفسه إلى متهم حين رفع وائل عقيل دعوى ضده بتهمة “التشهير”، فتم قبولها فورًا، فيما يبقى المتهم الأصلي حرًا يسافر بين دمشق وبيروت ودبي.
ويقول موقع “الحل نت” إنه هذه الحادثة إعلان واضح بأن السلطة الحالية غير جادّة في تجريم الأسدية، وأن الأدوات القديمة -الأمن، الفساد، الحماية، الإفلات من العقاب-ما تزال تحكم اللعبة، حتى لو تغيرت الوجوه والشعارات.
ماذا أنجزت السلطة في العدالة الانتقالية؟
عند تحليل محاور العدالة الانتقالية، يتبين أن التقدم خلال العام الأول كان شكليًا فقط:
1. المحاسبة وتجريم الأسدية
رغم إعلان تشكيل “الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية”، لا يوجد حتى الآن:
محاكمات فعلية
جلسات علنية
لوائح اتهام
أو حتى إرادة حقيقية لفتح الملفات.
2. المختفون والمغيبون قسريًا
هذا الملف ما يزال الأكثر إهمالًا:
1- لا لجنة مستقلة
2- لا خرائط لمقابر جماعية
3- لا اعتراف رسمي بمصير المفقودين.
3. إصلاح المؤسسات وبناء دولة جديدة
لم يحدث أي إصلاح بنيوي في مؤسسات الأمن والقضاء، ولا توجد خطوات واضحة نحو التعددية أو الشفافية.
المحامي ميشال شماس وصف الوضع بدقة: الملفات تم العبث بها والمتاجرة بها، وفُقدت مصداقيتها… وكأن السلطة لا تريد كشف الحقيقة كاملة.
لماذا ترفض السلطة فتح الملفات؟
الأمر لا يتعلق بالبيروقراطية، بل بقرار سياسي واضح:
1. غياب الإرادة السياسية
ترى السلطة أن الأولوية هي “الاستقرار”، لا العدالة، وأن فتح الملفات لا يعني فقط ملاحقة رموز النظام السابق، بل سيجرّ بالضرورة إلى ماضي هذه القوى نفسها.
2. حساسية التحالفات الحالية
الفصيل الذي وصل إلى الحكم اليوم، والمقصود هيئة تحرير الشام، هو نفسه متورط خلال سنوات الحرب في انتهاكات بحق سوريين، وبين صفوفه قادة وعسكريون قد يتضررون مباشرة من أي مسار عدالة حقيقي.
بمعنى آخر، فتح الملفات لن يطيح فقط بمسؤولين سابقين، بل سيهدد أيضا شخصيات نافذة داخل البنية الحالية للسلطة، ممن كانت لهم أدوار أو أوامر أو مشاركات في عمليات اعتقال أو تعذيب أو محاكم ميدانية خلال سنوات الصراع، وهذا ما يجعل الصمت خيارا مريحا.
الكلفة الحقيقية لغياب العدالة:
غياب العدالة لا يعني فقط أن القتلة طلقاء، بل يعني:
1- تفريغ الثورة من معناها الأخلاقي
2- إهانة ذاكرة الضحايا
3- تهديد السلم الأهلي
4- زرع نقمة قد تنفجر في أي لحظة.
فالعدالة المؤجلة لا تُسكّن الألم… بل تؤجل الانفجار فقط.
إقرأ أيضاً: تصاعد العنف ضد النساء في سوريا وسط غياب العدالة وتعدد الجهات المسلحة
إقرأ أيضاً: غياب العدالة الانتقالية في سوريا يفسح المجال أمام الانتقام الأهلي