سوريا 2025: ثمن التطبيع المؤجل ومرتكزات الهيمنة الأمريكية الجديدة على الأرض
أصدر مركز “الإتحاد للأبحاث والتطوير” ufeed الخميس، دراسة بعنوان “سوريا والدور الجديد: احتمالية التوظيف في السياسة الأمريكية”.
تتناول الدراسة الجدل الدائر حول مستقبل سوريا ودورها المحتمل في المشاريع الإقليمية الجديدة، خاصة في سياق تضارب مصالح الدول الراعية بعد إسقاط نظام الأسد واستبداله بالإسلام السياسي الليبرالي الحديث أو الإسلام الديمقراطي الإخواني.
هذه الجدلية تفتح الباب أمام تساؤلات حول إمكانية توظيف سوريا سياسياً وأمنياً وعسكرياً ضمن المشروع الأمريكي، بمعزل عن الجانب الاقتصادي.
شهد العام الأول لسقوط “نظام الأسد” تطورات دراماتيكية أخرجتها من دورها التاريخي الداعم للفصائل المقاومة منذ عام 1963، إلى وضع دولة ضعيفة دُمرت قوتها بمنهجية عدوانية.
وبدأ الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في إظهار توجهات إقليمية جديدة، معلناً أن إسرائيل ليست بعدو وأن إيران وحلفاءها هم العدو المشترك.
التطبيع المؤجل وشروط الصراع الجديدة
وفقا للدراسة فإنه وبرغم تسارع مسار التطبيع، فقد اصطدم بالتكاليف المرتفعة لناحية الصورة والخسارة، بينما إعادة إنتاج دور إقليمي عدائي لسوريا سيرتد عليها وعلى الدول الراعية.
وقد سعى الشرع لإثبات حسن نيته عبر عملية تواصل مع الوفد الإسرائيلي عبر الإمارات، ليصبح الاتصال لاحقاً مباشراً ومُعلناً.
وتضمنت أهم الإنجازات التي سعت إليها دمشق من واشنطن رفع العقوبات الفردية والعامة، وقد تحقق بعضها أو تم تعليق العقوبات الفردية ضمن سياسة الابتزاز عبر الإمساك بالخناق الاقتصادي.
أما الملف الثاني، فيتعلق بمستوى العلاقة مع “إسرائيل”، حيث كان شهر أيلول – سبتمبر 2025 محدداً لتوقيع اتفاقية أمنية برعاية أمريكية خلال زيارة الشرع للأمم المتحدة.
وبحسب التقرير، لم يستطع الشرع تقبل الشروط الإسرائيلية، ما أدى إلى التأجيل وبدء التصريحات حول الأسقف المطلوبة.
- الموقف السوري: تريد سوريا العودة إلى خط السابع من كانون الأول 2024، أي ما قبل سقوط الأسد والانسحاب من كل الأراضي والمرتفعات السورية.
- الموقف الإسرائيلي: ترى إسرائيل ضرورة البقاء وتثبت كل يوم تواجدها وتعلن الهيمنة قبل الضم، مؤكدة إصرارها على عدم نية التراجع بل التقدم.
تصريحات مضادة: أعلن وزير الخارجية السوري أن الانسحاب لخط السابع من كانون الأول 2024 هو المطلب الأول، ليرد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو بأن الشرع عاش نشوة الزهو من زيارة ترامب في المكتب البيضاوي في تشرين الثاني 2025.
اتجاهات التوظيف ومؤشرات الدور الأمريكي
وبحسب الدراسة، فإن زيارة الشرع إلى البيت الأبيض من “الباب الخلفي” تظهر صورة حقيقته الوظيفية “كعميل” تمت رعايته منذ عام 2016، وأن الشرع ملتزم بالسياسة الأمريكية لرسم دوره في المنطقة.
وتنظر السياسة الأمريكية إلى ضرورة رسم دور لسوريا في مشروع الشرق الأوسط الجديد.
1. التوظيف الأمني والعسكري الإقليمي
لبنان: الاستفادة أمنياً من الشبكات “الإرهابية” التي تشكلت في لبنان والعراق وسوريا لتحقيق أعمال إجرائية، وعسكرياً في المحور اللبناني على الحدود الشرقية والشمالية، إما للإشغال أو الإرباك أو تدمير مقدرات مشكوك بها.
العراق: استغلال شعور السنة المضخم بالغُبن في جو الشحن الطائفي لتأمين جماعات يمكن تسخيرها في الملفات الأمنية والسياسية في العراق وسوريا وإيران.
تهديد المصالح غير الأمريكية: يمكن توجيه هذه الجماعات بشكل مباشر أو غير مباشر لتحقيق هذا الهدف، ودفع قوى مثل روسيا، تركيا، أو الصين للرحيل.
2. مؤشرات الدعم والغطاء الأمريكي
اللقاءات الرفيعة: لقاء الشرع مرتين بالرئيس ترامب، الأولى في الرياض والثانية في البيت الأبيض.
الحماية والتوظيف الجديد: زيارة قائد المنطقة الوسطى للشرع بزيّه العسكري، وإعلان البيت الأبيض أن الشرع جزء من الحرب على داعش، ما يشكل التوظيف الجديد لسوريا في الفلك الأمريكي.
التعاون الأمني: الإعلان عن توقيع بلاده إعلان تعاون سياسي مع التحالف الدولي لهزيمة تنظيم داعش، رغم نفي نظام الشرع رسمياً الإعلان عن أن تاريخ التعامل بينهما يعود لعام 2016.
3. السيطرة والبنية التحتية
تذهب “الدراسة” إلى:
القواعد العسكرية: وضع سوريا تحت المظلة الأمريكية والتحكم بها من خلال عدة قواعد عسكرية أهمها التنف ورميلان، مع الإعلان عن مشروع بناء القاعدة الثالثة قرب العاصمة.
التعاون الاستخباراتي: مؤشرات على تعميق التعاون الأمني والاستخباراتي لتصبح الدولة بكاملها في خدمة الأمريكي، ويتطلب ذلك تجهيزات وبرامج معلوماتية وتدريب كوادر.
ملف الأجانب: تحديد المشكلة في سوريا بالعناصر الأجنبية الجهادية، وتم التوافق على إعطاء الصلاحية الأمريكية قبل تولي أي منهم منصباً حساساً. وتعتبر إمكانية توظيف هذه الجماعات عالية الأهمية لروحيتها القتالية الإجرامية.
ملف الصين والتهريب: الإمساك بملف الإيغور لارتباطه بالمواجهة مع الصين أو إرباك مشاريعها. والعمل على الإمساك بملف التهريب وقطع الإمداد العسكري واللوجستي عن الفصائل.
التغيير الديموغرافي: الاستفادة من التشكيلات المحلية لتأدية بعض المهام عن الولايات المتحدة بعناوين مختلفة لإحداث أي متغير ديمغرافي يخدم مصالحها وخاصة الساحل، حيث يبقى للعلويين خيار الهجرة أو القتل أو المقاومة بالدعم الروسي.
المعوقات والتحديات أمام المشروع الأمريكي
وفقا للدراسة، يواجه المشروع الأمريكي في سوريا عدة معوقات تعرقل التوظيف الكامل للدولة:
ولاء العنصر الأجنبي: عدم القدرة على السيطرة على الولاء التام للعنصر الأجنبي في سوريا، فإمكانية رفض فئة ما أو ارتباطها بممول يحركها ضد المصالح الأمريكية قائمة.
الرفض الداخلي للأقليات: تاريخ القادة الحاليين والمجازر في المجتمعات السورية وخاصة الدروز والعلويين سيجعله محط رفض داخلي للأقليات وسبباً للانتقام.
الفكر الجهادي التكفيري: المركزية الفكرية الجهادية التي تعكسها الأنشطة الدعوية في مراكز التدريب والمدارس، إضافة إلى هجوم الفكر الإدلبي التكفيري لإقصاء الفكر السني الشافعي تاريخياً وإحلال الحنبلية والوهابية بديلاً عنه.
قوة إيران: احتفاظ إيران بمخزون قوة يمكنه تدمير الكيان الإسرائيلي، ما يعني أن التوظيف السوري يحتاج لمسار زمني وبرامج، والوقت ليس لصالح المشروع الأمريكي-الصهيوني وفقاً للدراسة.
سهولة الانهيار والتوظيف الجماعاتي: سهولة الانهيار في سوريا نتيجة للوضع الهش، ما يفرض التوظيف للجماعات وليس للدولة، وإلا ستصبح حرباً بين الدول وثمنها غير قابل للتعويض.
الخلل الاقتصادي: الخلل الاقتصادي الضاغط على المجتمع السوري والقابل للانفجار، وهو من المعوقات التي يمكن توظيفها ضد الشرع من قبل أي دولة مستهدفة ولو بعملية الاعتصام والتظاهر.
غياب الجيش الموحد: عدم بناء الجيش السوري القادر على صهر المجتمع لتمركز الفكر الجهادي فيه وعدم مقبولية الآخر، ما يعني إمكانية الاستقلال الفيدرالي للمحافظات ولو غير المعلن، ما يضرب التوظيف الأمريكي.
العلاقات بين الدول: تقاطعات وتقابلات
ترجع الدراسة العلاقات بين الدول إلى:
روسيا والولايات المتحدة الأمريكية: انتظمت العلاقة بينهما منذ 2015 وتقاسمتا النفوذ، حيث تولت روسيا عملية إخراج إيران والفصائل من سوريا.
روسيا والكيان الإسرائيلي: لم يغب التنسيق بينهما، فروسيا هي الركيزة في إضعاف التركي ولعب نفس الدور الذي شغلته مع إيران سابقاً.
روسيا وتركيا: التنافس بينهما على إعادة إنتاج القدرة السورية يختلف في الرؤية، فتركيا تريد صناعة سوريا كقاعدة متقدمة وعمق استراتيجي، بينما روسيا تعارض التواجد التركي وتتوافق مع “إسرائيل” على إخراج سوريا كلياً من أي محور مقاوم.
الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي: بدأت الولايات المتحدة بإظهار الغطاء الأمريكي وتسليم الإدارة للسعودية خلال فترة المفاوضات.
والولايات المتحدة تحتاج الاستقرار لبدء القطاف، بينما الإسرائيلي يرى تحقيق النبوءة هو المنهاج، وتتصاعد الخلافات حول من سيحقق صورة “القائد العظيم”.
الخلاصة: دولة استهلاكية تحت الهيمنة
وفقا للدراسة لا يمكن لسوريا أن تكون دولة وظيفية باتجاه واحد، وهي غير جاهزة للتطبيع الكلي الذي يتطلب مساراً طويلاً وإنجازات داخلية، خاصة المعيشية.
إن نظام الشرع يفتقر للقرار العسكري والأمني الكلي، وغياب القضية الفلسطينية عن لسانه يجعله غير قادر على المواجهة.
حالياً تقوم القوى الغربية والخليجية بتمويل وترتيب البيت السوري وتحويله إلى دولة وظيفية عبر مشروعين:
- وظيفي في التطبيع والأمن والرخاء والإعمار مع تحقق كامل شروط الهيمنة.
- دولة إنتاج للفكر الحنبلي بدل الشافعي للتحكم به في المشاريع المطلوبة عند الحاجة.
وبحسب الدراسة فإن الأمريكي لا يرى في سوريا عامل توظيف بقدر ما يسعى لتحقيق استقرار في المنطقة، بينما الإسرائيلي يهتم بالتوظيف السلبي للدولة لتبرير الاحتلال والضم.
ولا تظهر في الأفق سياسة إراحة لسوريا، بل دور مرسوم لها ضمن الشرق الأوسط الجديد كدولة استهلاكية ومحصور بالطريقة الصوفية الشافعية.
إن التسريبات عن تاريخ عمل الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع مع الأمريكيين قد يشكل عامل انقلابي غير محسوب للولايات المتحدة وغيرها من الدول.
اقرأ أيضاً:تقرير أمريكي: صمت الشرع حيال غزة والجولان يعكس تموضعاً سياسياً جديداً لسوريا
اقرأ أيضاً:هل تستهدف عمليات إسرائيل في سوريا إنقاذ نتنياهو سياسياً؟