الزيتون السوري في موسم استثنائي صعب: إنتاج يتراجع 45%

يشهد قطاع الزيتون في سوريا واحداً من أسوأ مواسمه خلال السنوات الأخيرة، في ظل تراجع حاد في الإنتاج وتزايد الضغوط المناخية والاقتصادية على المزارعين. ورغم محافظة حلب على موقعها كأكبر المحافظات إنتاجاً، فإن الانخفاض طال معظم المناطق، ما انعكس بشكل مباشر على الأسواق المحلية ودخل العاملين في هذا القطاع، وفق شهادات المزارعين ومسؤولين في وزارة الزراعة.

مزارعون يصفون الموسم بأنه “الأضعف منذ سنوات”

في ريف عفرين شمال حلب، يقول المزارع أبو حسين إن الموسم الحالي هو الأكثر انخفاضاً منذ سنوات، موضحاً أن قلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة أدّيا إلى نضوج مبكر للثمار وصغر حجمها، ما انعكس على كمية الزيت المنتجة. ويضيف أن ارتفاع تكاليف الأسمدة والمحروقات والخدمات الزراعية أجبر العديد من المزارعين على تقليل العناية بالبساتين، ما ضاعف من حجم الخسارة.

أما المزارع محمود الأحمد من ريف اعزاز، فيؤكد أن “الناتج لا يغطي التكاليف”، مشيراً إلى أن حرارة الصيف والتقلبات المناخية خفّضت كمية الزيت المستخرَج، وأن كثيراً من المزارعين باتوا غير قادرين على تحمل تكاليف الإنتاج، في غياب أي دعم حكومي فعلي.

ويتخوف المزارعون من لجوء بعض التجار إلى الغش عبر مزج الزيت بمواد أخرى، في ظل الارتفاع الكبير للأسعار وضعف الرقابة على الأسواق.

أسعار قياسية وتراجع القدرة الشرائية

بلغ سعر تنكة زيت الزيتون (16 كغ) نحو 1.250 مليون ليرة سورية، أي ما يقارب 100 دولار، بينما تتجاوز أسعار الزيت عالي الجودة هذا المستوى. ويحتفظ العديد من المزارعين بإنتاجهم على أمل ارتفاع الأسعار لاحقاً أو باعتباره وسيلة للادخار في ظل تدهور الليرة السورية.

ويتوقع تجار محليون ارتفاعاً إضافياً في الأسعار خلال الأشهر المقبلة، نتيجة انخفاض العرض وارتفاع التكاليف، وهو ما يزيد الضغط على المستهلكين الذين انخفض متوسط استهلاكهم السنوي إلى 2–3 كغ فقط، بعد أن كان يتراوح سابقاً بين 5 و6 كغ للفرد.

تراجع الإنتاج.. وحلب في الصدارة رغم الظروف

تقدّر مديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة، عبير جوهر، إجمالي إنتاج الزيتون في سوريا لهذا الموسم بنحو 412 ألف طن، بانخفاض يصل إلى 45% مقارنة بالعام الماضي. وتتصدر محافظة حلب القائمة بإنتاج يبلغ 110 آلاف طن، يُخصص 15–20% منه لزيتون المائدة، والباقي لإنتاج الزيت، الذي قدرت الوزارة كميته بنحو 66 ألف طن.

ورغم التراجع، تشير جوهر إلى أن جودة الزيت قد تكون أفضل من مواسم سابقة، لعدم توفر الظروف الملائمة لانتشار ذبابة ثمار الزيتون، شرط الالتزام بالمعايير الفنية في القطاف والنقل والعصر.

وتوضح أن تكلفة إنتاج كيلوغرام واحد من الزيتون تقدر بنحو 1 دولار، بينما تصل تكلفة إنتاج كيلوغرام من زيت الزيتون إلى 3.5–4 دولارات، وهي أرقام مرتفعة مقارنة بدخل المزارعين المنهك.

مناخ متقلب وحرائق وخسائر واسعة

وتعزو جوهر التراجع الكبير في الإنتاج إلى جملة عوامل، أبرزها تغيرات المناخ في منطقة المتوسط، إذ أدت الحرارة المرتفعة وقلة الأمطار في فترات حرجة إلى انخفاض الإنتاج بحدود 45%. كما يعتمد 85% من بساتين الزيتون على الزراعة البعلية، ما يجعلها شديدة التأثر بتقلبات الطقس.

إلى جانب ذلك، تسببت الحرائق التي اندلعت خلال الصيف في مناطق الساحل وريف حمص وحماة الغربي بتدمير مساحات واسعة من البساتين، فيما ساهمت “سنة المعاومة”—التناوب الطبيعي بين إنتاج مرتفع وضعيف—في زيادة تراجع الموسم.

خطط حكومية لتحسين السلسلة الإنتاجية

تؤكد وزارة الزراعة أنها تعمل على تحسين سلسلة إنتاج الزيتون من البستان إلى المعصرة، عبر:

  • دعم المزارعين بإرشاد فني في التقليم والري والمكافحة.

  • توفير غراس زيتون ذات مواصفات موثوقة تتناسب مع البيئة المحلية.

  • إلزام المعاصر بتطبيق المواصفة القياسية السورية رقم 4083 لإنتاج زيت عالي الجودة.

  • تشكيل لجان مركزية وفرعية لمراقبة عمل المعاصر والحد من المخالفات.

ورغم هذه الخطوات، يرى كثير من المزارعين أن الإجراءات الحكومية لا تزال غير كافية لمواجهة التحديات الكبيرة التي تهدد مستقبل هذا القطاع الحيوي.

قطاع حيوي يواجه خطر التراجع المستمر

يمثل الزيتون أحد أهم الموارد الزراعية في سوريا، ويعتمد عليه أكثر من مليون شخص بشكل مباشر أو غير مباشر. لكن التراجع الكبير في الإنتاج هذا العام، إلى جانب ارتفاع تكاليف الزراعة وانخفاض القدرة الشرائية، يضع المزارعين أمام مستقبل غير واضح، فيما تبقى محافظة حلب الأكثر قدرة على الصمود رغم الظروف القاسية.

وفي غياب دعم حقيقي، وتحت ضغط المناخ المتقلب والاقتصاد المنهك، يبدو أن موسم الزيتون السوري دخل مرحلة جديدة من التحديات قد تمتد آثارها لسنوات مقبلة.

اقرأ أيضاً:أزمة الزيتون في سوريا: موسم جاف يهدد “الذهب الأخضر” ويكشف تراجع الإنتاج إلى أدنى مستوياته منذ 60 عاماً

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.