اتفاق دمشق و”قسد”: بين الدمج والتباين في الفهم
بعد مرور أشهر على توقيع اتفاق 10 آذار/مارس الماضي بين الحكومة السورية الانتقالية و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، لا يزال تنفيذه يواجه عقبات مرتبطة بتباين الرؤى حول مضامينه، وسط جدل متصاعد بشأن مستقبل الشمال الشرقي من البلاد، ومواقف إقليمية تراقب مسار التطورات عن قرب.
الاتفاق الذي وقّعه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، ونص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة، وُصف حينها بـ”التاريخي”، لكنه سرعان ما تحول إلى نقطة خلاف. فبينما ترى دمشق أن الدمج يعني إلحاق “قسد” بالجيش السوري وتسليم المؤسسات والموارد النفطية والمعابر، يؤكد الجانب الكردي أن الدمج لا يعني “الاستسلام”، بل دمج إدارتين على قدم المساواة.
رؤى متعارضة
الرئيسة المشتركة للوفد الكردي المفاوض، فوزة اليوسف، قالت إن “قسد” تطالب بأن تكون “شريكاً حقيقياً في مستقبل سورية الديمقراطية”، معتبرة أن لا وجود حالياً لـ”جيش نظامي” في البلاد. أما دمشق، فتصر على دمج “قسد” بشكل فردي داخل الجيش السوري، مع إمكانية منح بعض المناطق ذات الغالبية الكردية شكلاً من اللامركزية الإدارية، دون المساس بسلطة الدولة المركزية.
الجولات التفاوضية التي عُقدت في دمشق والحسكة لم تسفر حتى الآن عن اختراقات ملموسة، بينما يتسع الخلاف يوماً بعد يوم. ويخشى مراقبون أن يؤدي تعثر الاتفاق إلى توتر ميداني جديد في الجزيرة والفرات، حيث تسيطر “قسد” منذ عام 2017.
الموقف التركي
وفي موازاة ذلك، برز موقف تركي يدعو إلى التزام “قسد” بالاندماج في الجيش السوري. وزارة الدفاع التركية اعتبرت أن “عدم التزام قوات سوريا الديمقراطية بتعهداتها يهدد وحدة سورية وتكاملها وأمنها القومي”، مؤكدة أنها ستتابع هذه المرحلة عن كثب، ولن تتردد في اتخاذ خطوات “لضمان أمنها وأمن سورية”.
وترى أنقرة أن اندماج “قسد” في الجيش السوري خطوة ضمن مسار أوسع يشمل حل حزب العمال الكردستاني وإلقاء سلاحه، معتبرة أن “وحدات حماية الشعب”، المكون الأساسي لـ”قسد”، مرتبطة بالحزب.
تفسيرات متعددة لمفهوم الدمج
الباحث السياسي مؤيد غزلان أوضح أن مصطلح “الدمج” يعني “الإلحاق أو الاتباع”، معتبراً أن “قسد فسرت الكلمة بما يتوافق مع مصالحها”. وأضاف أن إصرارها على الحفاظ على هيكليتها يعزز “الفصائلية”، ويؤدي عملياً إلى “قيام دولة داخل دولة”. وانتقد غزلان أداء الإدارة الذاتية في مناطقها، قائلاً إنها “تعسكر المجتمع وتهمش العرب وتفرض ضرائب قاسية”، مقابل ما وصفه بتركيز دمشق على الاقتصاد ومحاولة تقليص العسكرة.
في المقابل، يرى سيهانوك ديبو، ممثل “الإدارة الذاتية” في بلدان الخليج، أن الدمج يعني “إنهاء التشتت في المؤسسات وتوحيد الأهداف”، مشيراً إلى أن قسد يمكن أن تكون جزءاً من الجيش السوري، لكن “بخصوصية مستقلة”، مقترحاً تحويلها إلى “فيلق” داخل الجيش. وأكد رفض الإدارة لوجود جيشين في بلد واحد، داعياً إلى عملية دمج “متدرجة” تراعي الخصوصية وتفضي إلى حكم رشيد ولا مركزية سياسية.
أما رزكار قاسم، ممثل “مجلس سوريا الديمقراطي” في ألمانيا، فاعتبر أن الدمج يعني “الاتحاد لتشكيل كيان موحد”، وأن المسألة لا يمكن حصرها في المجال العسكري فقط. وذهب إلى الدعوة لدستور جديد يحدد المصطلحات بوضوح، مقترحاً تحويل سورية إلى دولة اتحادية على غرار الإمارات العربية المتحدة، بما يضمن شراكة أوسع في الحكم.
غموض المسار
وبين هذه الرؤى المتباينة، يبقى الاتفاق عالقاً بين تصورين مختلفين: أحدهما يركز على دمج “قسد” ضمن بنية الدولة القائمة، والآخر يسعى إلى شراكة تعيد تعريف شكل الدولة نفسها. وبينهما، تتعاظم المخاوف من أن يؤدي غياب التوافق إلى تجدد التوترات في الشمال الشرقي، في ظل متابعة إقليمية ودولية حثيثة لمسار العلاقة بين دمشق و”قسد”.
اقرأ أيضاً:ذا ناشيونال: واشنطن تخفف ضغوطها على قسد وتدفعها لتقديم تنازلات