أزمة القمح في سوريا.. هل قمح العراق هو البديل
شهدت سوريا خلال عام 2025 واحداً من أسوأ مواسم القمح منذ نحو ستة عقود، إذ لم يتجاوز حجم الإنتاج ربع الحاجة المحلية، متأثراً بجفاف غير مسبوق، وتراجع كميات الأمطار، إلى جانب عوامل اقتصادية مرتبطة بارتفاع تكاليف الزراعة وصعوبة السقاية.
وكانت “منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة” (FAO) قد حذّرت في وقت سابق من أن سوريا تواجه موسماً هو الأضعف منذ ستين عاماً، بعدما أثر الجفاف على نحو 2.5 مليون هكتار من الأراضي المزروعة بالقمح.
القمح السوري.. محصول استراتيجي في أزمة
يُعد القمح واحداً من أهم المحاصيل الاستراتيجية في سوريا، حيث تجاوز متوسط الإنتاج السنوي بين عامي 1990 و2010 أربعة ملايين طن، وبلغ ذروته عام 2006 حين وصل إلى نحو 4.9 ملايين طن. وكان متوسط الاستهلاك المحلي يقدّر بحوالي 2.5 مليون طن سنوياً، ما وفّر فائضاً للتصدير تراوح بين 1.2 و1.5 مليون طن.
لكن بعد عام 2011، اعتمدت الحكومة السورية السابقة على روسيا لتأمين القمح عبر اتفاقيات ثنائية ومناقصات، بالإضافة إلى شحنات وصلت تحت مسمى “مساعدات”. كما أشارت تقارير إلى أن كميات من القمح الأوكراني نُقلت إلى سوريا بعد السيطرة الروسية عليها.
وفي شمال شرق البلاد، حيث يُعد الخزان الأساسي للقمح السوري، اشترت “الإدارة الذاتية” المحصول من المزارعين وصدّرت جزءاً منه إلى دمشق، بينما ظل الإنتاج في مناطق إدلب وأرياف حلب غير كافٍ، ما دفع إلى الاستيراد عبر المنافذ التركية.
موسم 2025.. خسائر المزارعين والجفاف الحاد
الجفاف انعكس بقوة على نتائج الموسم الحالي. ففي مدينة رأس العين شمال غربي الحسكة، زرع المزارع عماد السلامة نحو 120 دونماً من القمح، لكن إنتاج الدونم لم يتجاوز 150 كيلوغراماً، أي أقل من نصف الكمية المطلوبة لتغطية التكاليف. ويشير عماد إلى أن السعر الحكومي المعلن، رغم أنه الأعلى منذ سنوات، لم يحقق له ربحاً بسبب ضعف الإنتاج وغياب الدعم الكافي.
وتكرر المشهد في مناطق أخرى مثل سهل الغاب بريف حماة، حيث لم تتجاوز نسبة تنفيذ خطة زراعة القمح 83%، متأثرة بعوامل أبرزها الجفاف، وتهجير الفلاحين، ونقص المعدات الزراعية.
في حزيران/يونيو الماضي، أعلنت وزارة الاقتصاد السورية تحديد سعر شراء طن القمح بـ320 إلى 290 دولاراً حسب النوعية، مع مكافأة تشجيعية بقيمة 130 دولاراً، ليرتفع السعر الفعلي إلى 450 دولاراً للطن. ووفق المؤسسة السورية للحبوب، تم تسلّم نحو 373 ألف طن من المزارعين، في حين تسلّمت “الإدارة الذاتية” نحو 300 ألف طن، ليصل مجموع ما جرى جمعه رسمياً إلى 673 ألف طن فقط، وهو أدنى رقم يُسجّل منذ عقود.
هذا التراجع دفع “منظمة الأغذية والزراعة” للتحذير من تهديد الأمن الغذائي لأكثر من 16 مليون شخص، معتبرة أن جفاف 2025 هو الأسوأ منذ 36 عاماً، خاصة في المناطق البعلية التي تشكل عماد الإنتاج الزراعي في البلاد.
خيارات الاستيراد.. العراق في الواجهة
بعد سقوط النظام السابق، علّقت روسيا تصدير القمح إلى سوريا، مشترطة تسوية الملفات المالية القديمة. وعلى الرغم من وصول شحنة محدودة عبر مرفأ اللاذقية في نيسان/أبريل الماضي، أكدت موسكو أن الأمر “استثنائي” ولا يعكس استئنافاً للتوريد.
ومنذ ذلك الحين، دخلت إلى سوريا كميات متفرقة من القمح عبر مرفأي طرطوس واللاذقية، قُدّرت بنحو 136 ألف طن، إضافة إلى منحة عراقية تشمل 220 ألف طن. كما خصصت بريطانيا تمويلاً بقيمة 3.7 ملايين دولار لإرسال الحبوب من أوكرانيا، بينما تعهّدت تركيا بزيادة صادراتها من دقيق القمح إلى سوريا لتتجاوز 400 ألف طن خلال العام الجاري.
وبحسب المؤسسة السورية للحبوب، بلغ مجموع ما جرى استيراده منذ بداية العام حتى منتصف آب/أغسطس نحو 180 ألف طن، إلى جانب المنحة العراقية المقدّرة بـ146 ألف طن. وتؤكد المؤسسة أنها بحاجة إلى عقود استيراد جديدة لتأمين الاحتياجات، مع تقديم طلب رسمي إلى بغداد لاستيراد مليون طن من القمح، بانتظار الرد العراقي.
بُعد سياسي واقتصادي
يمثل ملف القمح أحد أبرز مسارات التقارب بين دمشق وبغداد. فمنذ زيارة رئيس الاستخبارات العراقي حميد الشطري إلى سوريا في كانون الأول/ديسمبر 2024 ولقائه رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، بدأ الجانبان في بحث آليات التعاون. وتبع ذلك زيارة وزير الطاقة السوري محمد البشير إلى بغداد لبحث مشاريع مشتركة بينها إعادة تشغيل خط نفط كركوك – بانياس.
ويرى خبراء أن العراق، الذي حقق فائضاً في إنتاج القمح للعام الثالث على التوالي بلغ نحو 5.1 ملايين طن، قد يكون الخيار الأقرب لسوريا لتغطية العجز، خاصة أن مخزون بغداد يكفي حتى عام 2027.
الباحث في الاقتصاد السياسي أيمن الدسوقي أوضح أن العراق يتمتع بميزة القرب الجغرافي وكلفة النقل المنخفضة، إلى جانب احتمال تقديمه تسهيلات في تسديد أثمان القمح. ويرى أن التوجه نحو بغداد يعكس أيضاً رغبة دمشق في تعزيز علاقاتها مع الدول العربية بعد سنوات من الارتهان لروسيا.
بين الاستيراد ودعم الزراعة
رغم أن خيار الاستيراد يبدو الحل الأسرع لتجاوز أزمة الخبز، دعت “منظمة الأغذية والزراعة” إلى تدخلات زراعية عاجلة تشمل تحسين أنظمة الري، وتوفير المدخلات الزراعية، ودعم مزارعي القمح، بهدف تأمين إنتاج أفضل في الموسم المقبل (2025 – 2026).
وبينما تنتظر الحكومة السورية رد بغداد على طلب استيراد مليون طن، يبقى السؤال مفتوحاً: هل يمكن للقمح العراقي أن يسد فجوة الأمن الغذائي في سوريا، أم أن الأزمة ستظل مرهونة بظروف المناخ والسياسات الزراعية الداخلية؟
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة