الفوضى الإدارية تهدد استقرار الخدمات العامة في سوريا
تعاني المؤسسات السورية اليوم من ضعف في الأداء الإداري وتحديات كبيرة في تقديم الخدمات للمواطنين. غياب برامج تدريبية فعّالة، ونقص التأهيل الوظيفي، أدى إلى بطء في إنجاز المعاملات وتأخير اتخاذ القرارات، كما يواجه الموظفون صعوبة في التعامل مع التحديات اليومية. هذه المشاكل لا تؤثر فقط على حياة المواطنين، بل تحدّ أيضًا من قدرة الدولة على بناء مؤسسات فعالة وتحقيق ثقة المجتمع بجهازها الإداري.
الهجرة والجوازات نموذج حي للبيروقراطية
تعتبر مؤسسة الهجرة والجوازات من أبرز الأمثلة على التحديات الإدارية الحالية، حيث ما تزال المعاملات تتأثر بالازدحام والفوضى وارتفاع الرسوم. تجربة حياة، وهي سيدة من دمشق، توضح المعاناة اليومية للمواطنين: أثناء محاولتها استخراج جواز سفر لابن شقيقتها، واجهت جدالًا طويلًا مع موظف حول صياغة الاسم، واضطرت لإحضار وثائق إضافية لتثبيت البيانات، كما طلب منها الموظف المساعدة في معرفة الرقم الوطني للشاب لأنه لم يكن على دراية بمكانه. تصف حياة هذه التجربة بأنها مليئة بالتوتر والضغط، وتشير إلى أن ضعف التأهيل قد يتسبب بأضرار للمواطن والمؤسسة على حد سواء.
قصة أخرى يرويها أبو علاء، الذي حاول استخراج وثيقة “لا حكم عليه” لابنه المقيم في الخارج. على الرغم من إحضاره المستندات المطلوبة، رفض الموظف الطلب لعدم وجود الهوية الأصلية ما حال دون استكمال الإجراءات. هذه الحالات تكشف غياب المرونة واعتماد الموظفين على النصوص الجامدة بدلًا من التعامل مع الواقع العملي.
التحليل والتوصيات
تشير تحليلات خبراء المركز العربي في واشنطن إلى أن إعادة بناء المؤسسات السورية تواجه تحديات رئيسية، أبرزها محدودية الكفاءات الإدارية، والتي تُعد العائق الأكبر أمام إدارة المرافق العامة بكفاءة. ويؤكد التقرير ضرورة الاستثمار في تدريب الكوادر الوطنية، وبناء مؤسسات مدنية مستقلة تقوم على التخصص والشفافية والمساءلة، بما يعيد الثقة بين الدولة والمجتمع.
الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي أوضح أن ضعف الكفاءة يعود إلى نقص برامج التدريب، وتدني الرواتب، وهو ما أدى إلى عزوف الخبرات عن العمل في القطاع العام. ويؤكد أن الحلول تتضمن مكافحة الرشوة، إعادة صياغة القوانين لمعالجة الثغرات، إدخال التقنيات الحديثة، وأتمتة الدوائر الحكومية، مع تدريب الموظفين على استخدامها. كما أن التعاون مع دول مثل تركيا والسعودية يوفر فرصًا للاستفادة من التقنيات الإدارية الحديثة.
طريق طويل نحو تحسين الأداء
تواجه سوريا تحديًا مزدوجًا: تحسين أداء المؤسسات الحالية وإعادة بناء جهاز إداري قادر على مواكبة متطلبات التنمية وإعادة الإعمار. وبينما لا تزال بعض المعاملات اليومية عالقة في متاهة البيروقراطية، يرى الخبراء أن الإصلاح ممكن، لكنه يتطلب وقتًا واستثمارًا جادًا في تطوير الكوادر ورفع كفاءة الإدارة العامة.
اقرأ أيضاً:هل يغيّر ترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة من واقع التعليم في سوريا؟