الصناعات النسيجية في سوريا: خطوات حذرة نحو التعافي وسط تحديات عميقة

تواجه الصناعات النسيجية في سوريا مرحلة دقيقة، في ظل محاولات حكومية لإعادة إحياء هذا القطاع الحيوي الذي شكّل سابقًا ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد السوري، قبل أن يتعرض لانهيارات متتالية بفعل الحرب وتداعياتها الممتدة.

وبحسب مدير “المؤسسة العامة للصناعات النسيجية”، عماد علي، فإن واقع قطاع النسيج لا يزال “معقدًا ومتأزمًا”، مع توقف معظم الشركات العامة المختصة بالغزل والنسيج عن العمل نتيجة للدمار الواسع ونقص المواد الأولية وتراجع القدرة التشغيلية.

معامل متوقفة وأخرى تعمل جزئيًا

تشمل قائمة الشركات المتوقفة كليًا عن الإنتاج كلًا من “السورية للغزل”، و”الشهباء”، و”الأهلية”، و”سجاد حلب”، و”المغازل والمناسج بدمشق”، و”غزل دير الزور”، و”الصباغة بحمص”.

في المقابل، ما تزال بعض الشركات العاملة في محافظات اللاذقية ودمشق والحسكة تواصل العمل جزئيًا أو بدرجات محدودة، مثل “الخماسية” و”غزل جبلة” و”نسيج اللاذقية”.

ويشير علي إلى أن هذه الشركات تسعى حاليًا للبقاء، رغم التحديات الكبيرة التي تشمل ضعف التمويل وارتفاع تكاليف التشغيل وصعوبة تأمين المواد الأولية اللازمة.

أسباب التراجع: من الحرب إلى الطاقة

يرجع مدير المؤسسة أسباب التدهور إلى عوامل متداخلة، في مقدمتها تدمير المعامل نتيجة الحرب، وتراجع إنتاج القطن المحلي من نحو مليون طن عام 2006 إلى بضعة آلاف فقط خلال سنوات النزاع، ما دفع الشركات إلى الاعتماد على الاستيراد بتكاليف مرتفعة.

وتضاعفت الأزمة نتيجة النقص الحاد في الطاقة الكهربائية وارتفاع أسعار المحروقات، إضافة إلى تقادم الآلات، وصعوبة الحصول على قطع الغيار والمواد الكيماوية اللازمة، ناهيك عن صعوبات التمويل البنكي والبيروقراطية الإدارية.

ويؤكد علي أن فقدان اليد العاملة المدربة بسبب الهجرة والتقاعد، وانفتاح السوق المحلية على البضائع المهربة والمستوردة منخفضة السعر، أضعف من فرص المنافسة للمنتج المحلي.

إعادة هيكلة ومحاولات للإحياء

في محاولة لإعادة ترتيب القطاع، صدر في أواخر عام 2024 مرسوم بدمج “المؤسسة العامة للصناعات النسيجية” مع “مؤسسة حلج وتسويق الأقطان” ضمن “الشركة العامة للصناعات النسيجية”، بهدف تعزيز التكامل بين مراحل الإنتاج وخفض التكاليف الإدارية.

كما تم تنظيم الشركات النسيجية ضمن ثلاث مجموعات إدارية بحسب المناطق الجغرافية: الساحلية، الوسطى، والجنوبية.

وتعمل الوزارة على دراسة جدوى إعادة تأهيل وتشغيل عدد من الشركات المتوقفة، وتقديم عروض للشراكة مع مستثمرين محليين وأجانب عبر صيغ متعددة، منها التشغيل المشترك أو عقود الإنتاج.

الاستثمار والقطاع الخاص جزء من الحل

تعتبر الحكومة أن الاستثمار والتشاركية مع القطاع الخاص من الأدوات الأساسية لإحياء القطاع، مع سعي لجذب استثمارات تهدف إلى تحديث خطوط الإنتاج وزيادة الطاقة التشغيلية.

كما يجري التنسيق مع جهات دولية لدعم بعض المناطق الصناعية المتضررة، لا سيما في دمشق وحلب، عبر برامج تأهيل فني وتدريب للعاملين.

رواتب متأخرة وقضايا معلّقة

من جانب آخر، ما تزال قضايا العاملين في المعامل المتوقفة تُشكّل ملفًا حساسًا، إذ اشتكى عدد منهم من تأخر صرف رواتبهم ومستحقاتهم، رغم حصولهم على إجازات مأجورة. وطالبوا وزارة المالية بتأمين تمويل للرواتب أو منحهم سلفًا لحين عودة الإنتاج.

بدوره، وصف علي هذه المسألة بـ”المؤلمة والمعقدة”، مشيرًا إلى أنها تعود لضعف السيولة في الشركات المتوقفة، فيما يجري التعامل مع صرف الرواتب المتأخرة بشكل تدريجي عند توفّر الموارد.

مستقبل مشروط بمعالجة أوسع

رغم المساعي الحكومية الحالية، يرى مدير المؤسسة العامة للصناعات النسيجية أن استئناف الإنتاج بشكل واسع يتطلب معالجة شاملة لمشكلات الطاقة، وتأمين المواد الخام، وتحديث الآلات، فضلًا عن جذب استثمارات محلية وأجنبية.

ويؤكد علي أن النهوض بالقطاع النسيجي في سوريا لا يمكن أن يتحقق دون تحسّن البيئة السياسية والاقتصادية العامة، وتوفير مناخ مشجع للإنتاج والتصدير.

إقرأ أيضاً:رؤية السعودية الجديدة لسوريا: دعم الاستقرار في وجه التحديات الإقليمية

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.