أنقرة بين الترحيب والحذر: اتفاق دمشق و(قسد) تحت عدسة الأمن القومي التركي
في مشهد غير مسبوق، ظهر الرئيس السوري أحمد الشرع إلى جانب قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي في العاشر من آذار/مارس 2025، ليعلنا عن اتفاق تاريخي يقضي بدمج “قسد” في مؤسسات الدولة السورية الجديدة، في إطار إعادة بناء النظام السياسي والأمني بعد سنوات الحرب الطويلة.
الخطوة التي حظيت بدعم أمريكي وترحيب رسمي من تركيا، تُطرح اليوم على طاولة تحليل مزدوج، بين من يعتبرها فرصة نادرة لتصفية الملفات الأمنية في شمال شرقي سوريا، ومن يراها تهديدًا محتملًا يتطلب مراقبة صارمة.
رغم تصريحات الترحيب التي أطلقها المسؤولون الأتراك، لا تزال أنقرة تراقب التنفيذ الفعلي للاتفاق عن كثب، واضعة شرط التطبيق الكامل في صلب موقفها. فتركيا ترى في أي صيغة تمنح “قسد” طابعًا سياسيًا مستقلاً، أو تحتفظ لها بخصوصية تنظيمية داخل الجيش السوري الجديد، انتكاسة أمنية غير مقبولة.
مماطلة أم محاولة لكسب الوقت؟
الباحث الكردي علي تمي يرى أن “قسد” اختارت طريق الحوار مع دمشق لتفادي عملية عسكرية تركية وشيكة. لكنه يعتبر أن القيادة الكردية، حتى اللحظة، تُماطل في تنفيذ الاتفاق، على أمل أن تطرأ تغيرات سياسية إقليمية تمنحها هامشًا أوسع. وفي هذا السياق، تبرز إشارات إلى أن تركيا قد تعود إلى المطالبة بتعديل اتفاق “أضنة”، بما يسمح بتوسيع مدى تدخلها العسكري داخل الأراضي السورية، إذا ما استمر الجمود في التطبيق.
تركيا: الحل الأقل كلفة
من وجهة نظر الصحافي التركي عبد الجبار جواش، فإن أنقرة ترى الاتفاق حلاً منخفض التكلفة لمعالجة مخاوفها الأمنية، بشرط ألا يتضمن أي شكل من أشكال الحكم الذاتي أو الفيدرالية. ويشير إلى أن تركيا قد تمارس ضغوطًا على دمشق أو تلوّح بالقوة ضد “قسد” في حال شعرت أن التفاهمات تميل نحو منح الأكراد امتيازات غير مقبولة من منظور الأمن القومي التركي.
لا تفاصيل… والخيارات مفتوحة
الباحث فراس فحام يؤكد أن الاتفاق لا يزال حتى الآن إطاريًا، دون تفاصيل دقيقة حول دمج “قسد” ضمن المؤسسة العسكرية السورية، وهو ما يُبقي أنقرة في حالة ترقب. ويرى أن الجيش التركي يحتفظ بخيار التدخل العسكري كورقة ضغط، خاصة في ظل امتلاكه أدوات متقدمة كالطيران المسيّر، الذي استُخدم سابقًا ضد قيادات كردية.
السياق الإقليمي والتبدلات السياسية
الباحث السوري محمد السكري يربط بين الاتفاق السوري-الكردي والتطورات الداخلية التركية، خصوصًا ملف حزب العمال الكردستاني، الذي أعلن مؤخرًا حلّ نفسه. ويرى أن أنقرة تفضل تطبيق الاتفاق، ما دام يضعف المشروع السياسي لـ”قسد”، لكنه يحذر من أن أي صيغة تمنح خصوصية تنظيمية دائمة للقوات الكردية قد تعيد إشعال الخلافات.
مهلة نهائية… ثم ماذا؟
بحسب مصادر دبلوماسية، فإن المهلة الأخيرة المعطاة لـ”قسد” للبدء بتنفيذ الاندماج تنتهي في 15 آب/أغسطس الجاري. وتشير المصادر إلى رفض كل من أنقرة ودمشق وأيضًا واشنطن، طلبًا قدمته “قسد” لتمديد التطبيق حتى نهاية 2026. وتشير التسريبات إلى أن قائد “قسد” مظلوم عبدي أعرب عن استعداده لسحب قواته من دير الزور وأجزاء من الرقة خلال هذا الشهر، في محاولة لإثبات الجدية.
إلا أن خلافات داخلية تعصف بالقيادة الكردية نفسها، مع تفضيل شخصيات بارزة مثل إلهام أحمد تأجيل التنفيذ سعيًا وراء ضمانات إضافية، وفق ما أفادت به المصادر.
خاتمة
بين الشك والترحيب، تقف تركيا على مفترق طرق حرج، فبينما تفضّل الحلول السياسية وتراها أقل كلفة، تواصل التلويح بالخيار العسكري كورقة ضغط لضمان عدم تحوّل “قسد” إلى كيان ذي طابع سياسي أو أمني مستقل. وبينما تدقّ ساعة المهلة الأخيرة، تبدو الأسابيع المقبلة حاسمة في تحديد وجهة هذا الملف المتشابك.
اقرأ أيضاً:ممر داود يعود للواجهة: تحالف جغرافي بين قسد ودروز السويداء يثير مخاوف تفكيك سوريا