في حدث احتفالي شهدته دمشق مطلع تموز/يوليو 2025، أعلنت الدولة السورية الانتقالية عن إطلاق الهوية البصرية الجديدة للجمهورية، في خطوة اعتبرتها القيادة “إيذانًا بولادة سوريا جديدة”.
الشعار الجديد، الذي استبدل “النسر” التاريخي بـ”العقاب الذهبي”، مثّل العنوان الأبرز في هذا التغيير الرمزي الذي شمل أيضًا العملة الوطنية والوثائق الرسمية، ويُتوقع أن يمتد إلى الزي العسكري لاحقًا.
لكن، رغم الطابع الرسمي ، فإن صدى الخطوة في الشارع السوري كان أبعد ما يكون عن الإجماع. تعددت الآراء، وبرزت ملاحظات نقدية تطرح أسئلة جوهرية: هل يمكن لشعار جديد أن يُعيد الثقة بدولة جُرحت صورتها؟ وهل الرمز وحده يكفي لتجاوز الماضي؟
بين الرمزية والطموح: ما الذي يُبنى على العقاب؟
الشعار الجديد حمل تفاصيل رمزية دقيقة: العقاب الذهبي، ريشات ترمز إلى المحافظات السورية، ألوان تشير إلى الثروات والشمس والقمح. لكن بالنسبة للكثيرين، بقي السؤال الأهم: ماذا بعد؟
تقول المهندسة المعمارية منى اليوسف من دمشق: “ما فيني أنكِر إن التصميم جميل، بس نحن مو بحاجة لتجميل شكل الدولة، نحن بحاجة لإعادة بناء ثقة الناس فيها”.
من جانبه، علّق الصحفي فراس عبد الكريم من السويداء: “في بلد خرج من حرب طويلة، الناس ما عادت تتأثر برموز، مهما كانت قوية بصريًا. التأثير الحقيقي لازم يجي من تحسّن الخدمات، المؤسسات، والحقوق”.
الهوية كملف غير محسوم
من المعروف أن الهويات الوطنية في سوريا كانت لعقود محمّلة بشعارات سياسية وفوق وطنية، غالبًا ما تجاهلت التعدّد الاجتماعي والثقافي في البلاد.
ترى الدكتورة ليلى صبّاغ، أستاذة علم الاجتماع في جامعة بيروت، أن إعادة صياغة الهوية البصرية بدون توافق وطني على هوية سياسية جامعة قد تكون خطوة ناقصة: “الهويات لا تُفرض من فوق. الهوية الجامعة هي نتيجة مسار، حوار، توافق، مش قرار مفاجئ بيجي من مؤسسة وحدة”.
قانونيًا: غياب المسار البرلماني يطرح تساؤلات
الخطوة لم تُعرض على مجلس الشعب المؤقت، ولم تصدر بقانون. ويُعتبر ذلك ثغرة شكلية في مرحلة يُفترض أن يكون فيها الالتزام الدستوري أعلى من أي وقت مضى.
المحامي عبد الله مطر من حلب أشار إلى أن: “حتى لو كانت النية إيجابية، من الضروري أن تمر التغييرات الرمزية الكبرى بمسار تشريعي واضح. مش بس احترامًا للدستور، بل لتعزيز مصداقية المرحلة الانتقالية”.
الرمز الجميل لا يُغني عن التمثيل الحقيقي
رغم غياب معارضة حادة للرمز بحد ذاته، إلا أن الكثير من الآراء ربطت بين قيمة الشعار ومصداقية المشروع السياسي.
في استطلاع محدود أجراه موقع محلي في درعا، عبّر أكثر من نصف المشاركين عن شعورهم بأن “الشعار جديد لكن الدولة لم تتغير”، وعلّق أحدهم: “نحن بدنا دولة تحترمنا، مش شعار يحكوا باسمه”.
وفي حلب، قال الفنان التشكيلي عماد سلوم: “كل شعار بصري لازم يكون حامل لقصة. بس السؤال، مين كتب القصة؟ ومين شارك فيها؟ الناس؟ ولا النخبة السياسية بس؟”
الناس بين الترقب والتعبير
في ريف إدلب، أبدى عدد من الشباب ارتياحًا مشوبًا بالقلق، كما عبّر الناشط المجتمعي نور جمول: “منيح يكون في تغيير رمزي، بس لازم نربطه بخطاب سياسي جديد. إذا بقيت السياسات نفسها، فالرمز رح يتحول لحبر على ورق”.
أما في اللاذقية، قالت المعلمة نهى حميدان: “أنا ما عندي مشكلة مع العقاب. بس ما بدي ابني أحلام كبيرة عليه. صار معنا كفاية وعود شكلية”.
هل يمكن لرمز أن يوحّد شعبًا؟
سوريا الخارجة من عقد دموي، تعيش حالة تمزّق اجتماعي عميق. وفي ظل غياب سردية وطنية متفق عليها، فإن أي رمز، مهما كانت دلالاته، سيبقى محل نقاش وجدل.
الكاتب والباحث سامي الراوي يرى أن: “الرمز البصري مهم جدًا، لكنه مثل الغلاف. التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل: في العدالة، في إدارة الخلاف، في تمثيل الجميع. بدونه، الهوية الجديدة رح تظل معلّقة، بدون قاعدة شعبية”.
خطوة أولى أم خطوة ناقصة؟
إطلاق الشعار الجديد قد يكون مؤشّرًا إلى رغبة في طي صفحة الماضي، لكنه يواجه اختبارًا معقّدًا: هل سيتحوّل إلى بداية مسار ديمقراطي ومواطني حقيقي؟ أم سيبقى ضمن حدود الرمزية المنفصلة عن الفعل؟
ما يتفق عليه الجميع تقريبًا، هو أن السوريين بحاجة إلى مشروع وطني جديد، لا يبدأ فقط من الرموز، بل من الإنسان – من حقوقه، من كرامته، من موقعه في دولته.
إقرأ ايضاً: سوريا بلد التناقضات بين احتفالات “الهوية البصرية” وتأخر الرواتب واحتجاجات التجار