داما بوست – منهل إبراهيم| حين كان رئيساً للوزراء في تركيا تباهى رجب طيب أردوغان في العام ٢٠١١ بأن علاقات أنقرة التجارية المتنامية في منطقة “الشرق الأوسط” ساعدتها على تقليل اعتمادها على أوروبا، لكن أردوغان لم يبقى وفيا للأصدقاء والجيران في المنطقة التي ساعدته اقتصاديا.
الأحداث تطورت وتسارع نبض أردوغان العكسي تجاه المنطقة وأصبحت “الشرق الأوسط” تطرح مجموعة من المشاكل التي افتعلها أردوغان، فسوريا أضحت عدواً، ولبنان أصبح منطقة محظورة على الأتراك بعد توتر العلاقات مع بيروت، بسبب أخطاء الدولة التركية تجاه اللبنانيين.
وحتى العلاقات بين تركيا ومصر تدهورت أيضا في أعقاب الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، لدرجة أن الحكومة المصرية صرحت بأن المسلسلات التركية لم يعد مرحب بها في مصر.
وفي معظم الصورة المعقدة التي تشكلت في المنطقة وأزماتها والمشاكل التي تواجهها تركيا سببها الطريقة التي تعامل بها رئيس الوزراء مع خصومه في الداخل والخارج حينها، ويستمر الآن كرئيس لتركيا على نفس المنوال فلا تزال تركيا تحتل أراض سورية وتتوغل في العراق، وتناور في عملية التطبيع مع سوريا تحت شروط ومسميات عديدة.
تركيا قالت منذ أيام كلمتها عن ما أسمته انسحاباً من شمال سوريا، وصرّح لسان حال وزير دفاعها يشار غولر أن لا انسحاب من شمال سوريا قبل تأمين الحدود بالكامل.
غولر في كلامه الذي يشبه الثوب الفضفاض تجاهل أن نظامه السياسي والعسكري الذي يرعاه أردوغان هو سبب المشاكل على الحدود، وجميع الفوضى التي تلعب وتتكدس عليها هي صنيعة ما جنت يد تركيا في دعمها للفوضى والمسلحين على الحدود، وضمان أمن الحدود التركية لا يقع على عاتق الحكومة السورية فحسب، بل هو مرهون بالتزام تركيا بالقوانين واتفاقية أضنه التي تخرقها تركيا باستمرار.
كلام غولر مردود عليه لأنه زعم أن “المشكلات على الحدود وفي المنطقة نشأت بسبب فراغ السلطة الذي خلقته الحكومة السورية، ولو كان لديهم القدرة على السيطرة على المنطقة الحدودية لما وصل الوضع إلى هذا الحد”، وفي كلام غولر هذا قفز فوق الحقائق وتضليل مفضوح ومكشوف ومنذ الأيام الأولى للأحداث والأزمة التي مرت بسوريا والفوضى التي نشأت على الحدود كان العامل التركي السلبي حاضراً، في دعم المسلحين وفتح الحدود، وقصف المناطق الآمنة، وقطع مياه الشرب عن الأهالي، والكثير من المظاهر التي أطاحت بأمن الحدود بين سوريا وتركيا.
تركيا صرحت على لسان غولر بـ “قد” وقالت إن “أنقرة قد تفكر في سحب قواتها من سوريا بمجرد ضمان أمن الحدود التركية بالكامل”، ويبدو حتى لو تحقق هذا الأمر أن النوايا التركية الاحتلالية ستبقى موجودة، فتصريحات المسؤولين الأتراك فضفاضة وشماعة تعلق عليها حكومة أردوغان ما تشاء من التفصيلات والتراجع عن المواقف والنكوث بالعهود، وقد حدث ذلك في الأيام المنصرمة من عمر الأزمة في سوريا.
سوريا ليست بحاجة إلى تركيا لتعلمها حسن الجوار، وليس بحاجة إليها لتقديم دعم لاعتماد دستور شامل في سوريا، لأنه من اختصاص السوريين ويدعمه السوريون أنفسهم، وإجراء الانتخابات شأن داخلي ، وحتى ضمان البيئة الآمنة والتطبيع الشامل، مرهون بتركيا وتنفيذ اتفاقية أضنه وقبول شروط الدولة السورية التي هي واضحة وضوح الشمس، وأهمها انهاء الاحتلال.
لا شك أن الاتصالات بين أنقرة ودمشق بشأن تطبيع العلاقات مستمرة وتقتصر حالياً على اللقاءات في إطار “مسار أستانا”، الذي ترعاه الدول الضامنة روسيا وإيران، ويشكل الوجود العسكري التركي الاحتلالي في شمال سوريا نقطة خلاف معقدة مع دمشق حالت دون استمرار مفاوضات تطبيع العلاقات.
وفي كل القواميس العسكرية والسياسية لا يمكن لدولة تحترم سيادتها أن تطبع مع دولة أخرى تحتل أراضيها، فكيف هي الحال مع دمشق التي ترفض أي حوار أو مفاوضات مع محتل سواء كان تركي أم أمريكي دون تحقيق الانسحاب الكامل من أراضيها.
وإذ تريد تركيا التوصل إلى تفاهم مع الدولة السورية من خلال المسار الرباعي الذي يضم أنقرة إلى جانب دمشق، وموسكو، وطهران، لا سيما أن الحل لن يكون إلا حلاً سلمياً، فعليها في أول خطوة تقوم بها أن تنفذ انسحاباً كاملاً من الأراضي السورية في الشمال، فالدولة السورية تعرف كيف تحافظ على أمن حدودها وأمن جيرانها، وتعرف كيف ترعى أبنائها ممن يريدون العودة تحت كنف ورعاية الدولة.