تطبيقات المراهنات في سورية.. عالم سري لشبان يبحثون عن دخل إضافي يقوم على “الثقة”
داما بوست – خاص
جمهور كرة القدم ليس فقط من مشجعي الأندية والمنتخبات، والمراهنات جذبت إلى الرياضة من لم يكن يعنيه أمرها في شيء، بهذا الكلام يبدأ “محمد”، حديثه لـ “داما بوست” عن دخوله عالم المراهنات من خلال تطبيق إلكتروني كان منتشراً في سوريا، والتطبيق لا يحمل من خلال متاجر التطبيقات المتعارف عليها مثل “غوغل بلاي – أب ستور”، وإنما من خلال التحميل المباشر من الموقع الذي يتبع له التطبيق، وهو موقع يتيح فرصة المراهنة على ألعاب متعددة مثل كرة القدم والسلة والهوكي، ويتابع كل دوريات العالم تقريبا، ويضيف الشاب الذي يبلغ الـ 26 من عمره في حديثه لـ ” داما بوست “، بالقول: أحد زملائي في العمل يعرف أحد وكلاء التطبيق في سورية، هي وكالة غير مباشرة أو موثقة قانونياً، لكن ثقتي بزميلي دفعتني للتواصل عن طريقه مع الوكيل وبالتالي تفعيل حساب على التطبيق بمبلغ 50 ألف ليرة سورية أول الأمر (تعادل اليوم حوالي 3.5 دولارأمريكي)، ولكوني لست من متابعي كرة القدم، فقد تركت للحظ الأمر في البداية، وبمبالغ بسيطة لا تزيد عن 10 آلاف ليرة سورية (أقل من 70 سنتاً أمريكاً)، ثم بدأت بمتابعة بعض المباريات الكبرى ورحت أحصل على المعلومات عن الفرق من خلال أصدقائي واستشيرهم في احتمالات الفوز للفرق، ومن ثم صرت أراهن بشيء من الدراية والكثير من الحظ، وأكبر المراهنات التي أقوم بها لا تتجاوز ما قيمته 2 دولار أمريكي، فإما أن أربح مبلغاً جيداً، أو أخسر مبلغاً ليس بالكبير.
معلومة أوليّة
الحديث عن تطبيق المراهنات بين زملاء العمل المهتمين بالرياضة كان مصدر المعلومة الأولية عنه، فمثلاً، قصي (اسم مستعار)، أحد العاملين في الحقل الصحفي، يحصل على مبلغ جيد شهرياً من المراهنة على مباريات كرة القدم، ويشرح الأمر في حديثه لـ “داما بوست” بالقول: “أتابع كرة القدم منذ سنوات، أعرف تماماً معايير كل مباراة وإلى أي درجة يكون فوز هذا الفريق أو ذاك احتمالا كبيراً رغم عدم ضمان أي شيء في عالم كرة القدم، وحين عرفت عبر أحد الأصدقاء بأمر التطبيق سعيت للحصول على حساب والدخول إلى عالم المراهنات بمبلغ بسيط أول الأمر، ومن خلاله بدأت بالمراهنة بمبالغ ليست بالكبيرة، وحينما قررت المراهنة على كامل رصيدي في إحدى مباريات “الكلاسيكو الإسباني”، بين فريقي ريال مدريد وبرشلونة، لم يكن لخسارتي المبلغ أهمية كبيرة على الرغم من كونه مبلغ جيد بالنسبة لي، واكتشفت لذة جديدة في متابعة مباريات كرة القدم، فأنا الآن من الجمهور المهتم والمتأثر بالمباريات لا مجرد مشجع يتابع وفقط.
يشرح الشاب الذي يبلغ من العمر حوالي 30 عاماً، الحصول على مبلغ إضافي لدخلي في نهاية الشهر أمر جيد، ولأن الخيارات محدودة في مثل هذه الحالة، فإن تطبيق المراهنات يعد إحدى وسائل محاولة الوصول إلى الاكتفاء المادي، ولكن الأمر يبدو أحياناً معقداً لكوني وعلى الرغم من التضرر المادي في بعض الأحيان من جراء التطبيق إلا أنني لا أجد في الأمر ما هو سيء أو مسيء، لكن الإحساس بلذة الربح وقسوة الخسارة المادية والرغبة بالتعويض، يجعل من الأمر ما يشبه الإدمان على المراهنات.
يقول “زياد”، في حديثه لـ “داما بوست” وهو من الصحفيين المهتمين أيضاً بالشأن الرياضي: “التطبيق أول الأمر كان بمثابة تجربة لا أكثر، دعانا أحد الأصدقاء لتجريبه وقمت بفتح حساب بمبلغ بسيط جداً لم تزد قيمته عن 5 دولارات أمريكية حينها، وبعد أن أصبح الأمر ممتعاً بالنسبة لي بات المبلغ يزيد وحققت ربحاً مقدراه ست أضعاف المبلغ الذي بدأت به خلال الشهر الأول، وهنا زادت شجاعتي في المراهنة وبت أرفع قيمة المبلغ الذي أرهن فيه، وغالباً ما يكون مقدراً الربح أكبر في حال المراهنة على الطرف الأضعف، والتطبيق يوضح للمراهن أن قيمة ربحه ستكون مثلا ضعفين إذا راهن على الفريق الأقوى، وربما عشرين ضعفاً في حال راهن على الفريق الأضعف، وهنا يأتي دور الحظ، فالمراهنة على الفريق الأضعف بهدف ربح مبلغ كبير يكون احتمال الخسارة فيها أكبر من احتمال الربح، لكن المراهن الطمّاع سوف يراهن متمنياً أن تحدث المفاجئة الكروية، وربما من هذا الباب يأتي استمرارية الشبان في الدخول إلى عالم المراهنات ومن ثم الإدمان عليه، وفي حال خسارة كامل الرصيد لن يتردد في وضع مبلغ إضافي عبر الوسيط الذي يتعامل معه ليعود إلى المراهنة من البداية”
الثقة أولاً
المصادفة التي سهّلت عملية البحث في عالم المراهنات، أن أحد وكلاء التطبيق هو من المعارف المباشرين بالنسبة لي، وهو صحفي رياضي يقيم في دمشق، بالتواصل معه يقول لـ “داما بوست”: “أقوم بفتح الحسابات على التطبيق فقط لمعارفي المباشرين، ومن محيطي القريب، وأحصل على نسبة بسيطة من المبالغ التي يبدؤون من خلالها المراهنة، ولي نسبة أيضاً من أرباح مراهناتهم، أحصل عليها من القائمين على التطبيق لا من الزبائن، ولا يوجد أي احتمالية للاحتيال على الزبائن، فبمجرد أن يطلب سحب مبلغ مالي من رصيده يبدأ الأمر من خلال تواصلي مباشرة مع القائمين على التطبيق في سوريا، ويتم الأمر خلال ساعات إن كان طلبه خلال فترة عمل شركات التحويل المالي الداخلية، وخلال 12-24 ساعة إذا كان طلبه خارج أوقات عمل هذه الشركات، والأمر بسيط جداً، يتصل بي الزبون ويبلغني بما يريد، أنقل الطلب عبر الهاتف إلى القائمين على التطبيق، وأبلغهم بالاسم الثلاثي للشخص ورقم هاتفه، ليصله إشعار تحويل مالي عبر إحدى الشركات برسالة نصية على هاتفه، وبمجرد أن يراجع الشركة التي تم اختيارها سيجد أن المبلغ الذي طلبه أصبح في حسابه، لكن الزبون يتحمل تكاليف التحويل المالي، والتي لا تكون قيمتها عالية بالعادة، وحوالي 1.5 -3 بالمئة من قيمة التحويل حسب الأسعار المعمول بها من قبل الشركات”.
الثقة بين “ليث” ومن يقدم لهم الخدمة هو أساس العمل، لا يوجد أي نوع من التعاقد أو ما يضمن الحقوق المالية للطرفين، ويقول في حديثه لـ “داما بوست”: “أبني الثقة مع الزبائن من خلال التعامل المباشر، غالبيتهم من الأصدقاء وأنا أضمن لهم أموالهم بتعهد شخصي، وعلى سبيل المثال لو اتصل بي أحد الأشخاص في ساعة متأخرة من الليل يطلب إضافة رصيد إلى حسابه على التطبيق بعد أن خسر في المراهنات كل رصيده السابق، سأقوم بتلبية طلبه على أن نلتقي في اليوم التالي أو في اليوم الذي يحدده الزبون لأخذ قيمة المبلغ المضاف، فمثلاً، سأتلقى اتصالاً من الزبون سين، يقول لي فيه أنه يريد إضافة مبلغ 200 ألف ليرة سورية على حسابه في التطبيق، على أن يسدد لي بعد يومين، سأتصل بالقائمين على التطبيق ليضيفوا المبلغ، ويتم الأمر، وحينما يشعر الزبون أننا نثق به، فإنه سيثق بنا هو الآخر، وعموما، هي دائرة من الثقة بيني والقائمين على التطبيق من جهة، وبيني ومن يدخلون التطبيق عن طريقي من جهة أخرى، ولم نواجه أي مشكلة في العمل منذ عامين تقريباً”.
تطبيقات المراهنات ممنوعة بـ “القياس”
بسؤال “داما بوست” عدداً من المصادر القضائية والقانونية، يعتبر الأمر خرقاً للقوانين المعمول بها في سورية، فالمراهنات غير مرخصة نهائياً ولا يوجد تشريع قانوني يسمح بأي نوع من المراهنات أو المقامرة، وعلى الرغم من أن وسائل إعلام تداولت قبل عدة سنوات احتمال ترخيص “كازينو” في دمشق، إلا أن الأمر توقف بسبب ضغوط من أعضاء في مجلس الشعب آنذاك، واللافت أن قانون العقوبات السورية وإن عرّف ألعاب القمار في المادة 618 منه على إنها الألعاب التي “يتغلب فيها الحظ على المهارة أو الفطنة”، وعدّدَها على أنها “الروليت والبكارا والفروعون والبتي شفو والبوكر المكشوف والألعاب التي تتفرع عنها أو تماثلها”، إلا أن العقوبة التي وردت في المادة 619 من القانون ذاته لم تزد عن تغريم العاملين على القمار بعقوبة: “السجن لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى سنتين، إضافة إلى الغرامة بمبلغ 100 ألف ليرة”، فيما نصت المادة 620 من القانون على: “يعاقب بغرامة من مئة إلى مئتي ألف ليرة سورية كل من اشترك بلعب القمار”.
المحامي “مدين خضور” يقول في حديثه لـ “داما بوست” إن التطبيقات الإلكترونية الخاصة بالمراهنات غير مذكورة صراحة في قانون العقوبات، لكنها قد تُشمل بالعقوبات المذكورة، كما أن الدعاوى القضائية التي قد تقام على أساس هذه التطبيقات ستكون صعبة، ومن الأفضل أن يتم تقديم شكوى قانونية للجهات المختصة بملاحقة الجرائم الالكترونية لمتابعة مثل هذه التطبيقات، علماً أن المحاكم السورية وفقاً لخضور لم تسجل أي دعوى قضائية تتعلق بالمراهنات عبر التطبيقات الإلكترونية حتى الآن، ولا يمكن أن يتم ملاحقة أي شخص إلا إذا تم كشفه متلبساً، أو من خلال شكوى تقدم من قبل أحد المتضررين، وعلى اعتبار أن التطبيقات التي يتم المراهنة من خلالها تدار من خارج سوريا، فلا يوجد ما يثبت أن “سين”، هو وكيل لهذا التطبيق بالمعنى المعلن إلا إذا تم تقديم شكوى بحقه من قبل “عين”.