سوريا تستكمل خارطتها الاستثمارية لقطاع الإسمنت

استكملت الشركة العامة لصناعة وتسويق الإسمنت ومواد البناء (عمران) وضع الخارطة الاستثمارية الجديدة لقطاع الإسمنت في سوريا، في خطوة تهدف إلى تنشيط الصناعة وتوسيع الشراكات مع مستثمرين محليين وإقليميين، وفق ما أكده مديرها العام محمود فضيلة.

وقال فضيلة، في تصريح لوكالة الأنباء السورية (سانا) إن الشركة طرحت خلال الفترة الماضية جميع معاملها للاستثمار والتشغيل، موضحًا أن عشرات العروض قُدمت من شركات داخل سوريا وخارجها، قبل أن يُستقر على العروض الأكثر جدوى فنية ومالية، وبما يحافظ على ملكية الأصول التي ستعود للدولة بعد انتهاء فترات الاستثمار المحددة.

وبحسب فضيلة، جرى استثمار معمل طرطوس من قبل شركة إماراتية، ومعمل الرستن من قبل شركة محلية، بينما تولت شركة “فيرتكس” العراقية استثمار معمل حماة، حيث تخطط لتأهيل خط الإنتاج الثالث ليصل إلى طاقة تبلغ 10 آلاف طن يوميًا خلال خمس سنوات. في المقابل، ما تزال منشآت المسلمية في حلب، ومعمل عدرا بريف دمشق، متاحة للمستثمرين نظرًا لتعرضها لأضرار كبيرة خلال السنوات الماضية.

حراك استثماري متزايد

يشهد قطاع الإسمنت في سوريا نشاطًا ملحوظًا خلال الأشهر الأخيرة، مع دخول شركات عربية وخليجية على خط تأهيل وتطوير المعامل الحكومية والخاصة، وخاصة في ظل الحاجة المتزايدة لهذه المادة الحيوية في مشاريع إعادة الإعمار وترميم البنى التحتية والمساكن.

وبحسب الشركة، تأتي خارطة الاستثمار الجديدة ضمن خطة حكومية لتعزيز البنية التحتية الصناعية، ورفع كفاءة الإنتاج، وتطوير الكوادر المحلية، مع مراعاة متطلبات حماية البيئة التي طالما شكّلت تحديًا في بعض المناطق الصناعية.

تحديات هيكلية تواجه القطاع

يواجه قطاع الإسمنت مجموعة من العقبات التي تعيق عمله، بحسب ما قاله الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش في تصريحات سابقة، أبرزها ارتفاع تكلفة الوقود التي تمثل نحو 65% من التكلفة الإجمالية للمنتج، إضافة إلى تكاليف الصيانة، وصعوبة تأمين قطع التبديل، وتضارب القرارات المتعلقة بالمخططات التنظيمية وضوابط البناء التي تؤثر بشكل مباشر على حجم الطلب.

ويشير عياش إلى أن هذه الصناعة تتمتع رغم ذلك بميزات تنافسية، أهمها توفر المواد الأولية بكميات كبيرة. فوفق مؤسسة الإسمنت والعمران، تمتلك سوريا احتياطيات كافية من المواد الخام الأساسية (الحجر الكلسي، البازلت، اللاتيريت) بطاقة إنتاجية تصل إلى خمسة ملايين طن سنويًا ولمدة 75 عامًا.

من جهته، أوضح مدير مؤسسة الإسمنت أن نقص مادة الفيول اللازمة لتشغيل الأفران دفع المستثمرين إلى اعتماد مجموعات تشغيل تعمل على الفحم خلال فترة انتقالية تمتد لعام واحد، يتم خلالها استيراد مادة “الكلينكر” من أسواق إقليمية مثل السعودية وتركيا والعراق، لضمان استمرار توافر الإسمنت في السوق المحلية وفق المواصفات القياسية.

خطوة تُسدّ فجوة الإنتاج وتستند إلى تفاهمات سياسية

ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس أن التوجه الحالي للحكومة الانتقالية نحو استقطاب شركات عربية وإقليمية يحمل جانبًا سياسيًا مرتبطًا بالتفاهمات المستجدة، معتبرًا أن بعض المعامل تُطرح ضمن ما وصفه بـ“جوائز ترضية” ضمن سياقات سياسية.

ويعتقد الجاموس أن طرح معامل الإسمنت للاستثمار يُعد خطوة إيجابية في المرحلة الراهنة، خاصة مع الحاجة الكبيرة للمادة في مشاريع إعادة الإعمار، حيث يقدّر الطلب السنوي في سوريا بين 10 و15 مليون طن، بينما لا يغطي الإنتاج المحلي والمستورد سوى أقل من نصف هذه الكمية.

ويضيف أن سد الفجوة يتطلب إعادة تشغيل واستثمار عدد أكبر من المعامل، بالرغم من ضعف البنية التحتية ونقص مصادر الطاقة، بهدف توفير منتج محلي منافس للإسمنت المستورد الأقل سعرًا.

وشدد الجاموس على ضرورة تضمين الاتفاقيات، مع الشركات العربية والأجنبية، بنودًا تضمن الحفاظ على الخبرات المحلية، ودمجها في عمليات التطوير والتشغيل، بما يضمن دورًا فاعلًا للكوادر السورية خلال المرحلة المقبلة.

هل سترتفع أسعار الإسمنت؟

ورغم وجود علاقة تقليدية بين زيادة الطلب وارتفاع الأسعار، يتوقع الجاموس أن تأثير زيادة الطلب على أسعار الإسمنت في سوريا سيكون محدودًا. ويُرجع ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها استمرار الاستيراد من دول الجوار الذي يفرض سقفًا معينًا على السعر، ودخول معامل جديدة إلى دائرة الإنتاج، ما يعزز المنافسة ويحدّ من تقلبات الأسعار.

كما قد تساهم الإجراءات الحكومية، مثل تخفيف الضرائب وتسهيل العمليات اللوجستية، في إبقاء الأسعار ضمن مستويات “معقولة” تتناسب مع القدرة الشرائية المحلية.

قطاع مرشح للتطور رغم العقبات

ورغم التحديات المتمثلة في تراجع البنية التحتية ونقص الطاقة وارتفاع تكاليف التشغيل، تشير المؤشرات الحالية إلى إمكانية دخول قطاع الإسمنت في سوريا مرحلة أكثر استقرارًا وكفاءة، بدعم من الاستثمارات الجديدة، والشراكات الإقليمية، وإعادة هيكلة خطوط الإنتاج، إلى جانب الحفاظ على دور الكوادر المحلية في تطوير الصناعة.

اقرأ أيضاً:سوق عقاري مشتعل فوق الركام… بيع أراضٍ ومقاسم مدمّرة في حي جوبر رغم غياب الإعمار

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.