كيف تحول دور المرأة السورية في ألمانيا من الرعاية إلى قيادة الأسرة والاندماج؟
مع رحلة اللجوء، لم تنتقل المرأة السورية فقط من جغرافيا إلى أخرى، بل من مجتمع مألوف بطابعه التقليدي إلى مجتمع غربي مختلف بكل تفاصيله. هذا التحول لم يكن مجرد انتقال في المكان، إنما كان “انقلاباً وتحوّلاً في الأدوار والمهام”. فبينما كانت المرأة في مجتمعها غالباً محصورة في دائرة الأسرة والرعاية، وجدت نفسها في ألمانيا مطالبَة بأن تكون محور الأسرة وقلبها النابض، وأحياناً “رجل هذا المنزل” في غياب الزوج لانشغاله بالعمل أو لعدم وجوده أساساً.
توزعت أعباء المرأة السورية اللاجئة اليومية بين تعلم اللغة الألمانية للتواصل مع المؤسسات والدفاع عن حقوقها، ومتابعة المدارس ومشاكل الأبناء، ومراجعة الدوائر الحكومية المليئة بالتفاصيل والإجراءات، إضافة إلى إدارة الفواتير والالتزامات المالية. هذه المسؤوليات فرضت عليها أن تتحرك بخطى واثقة وسط بيئة جديدة “لا تميز في متطلباتها بين رجل وامرأة، ولا تمنح امتيازاً إلا لمن ينهض بمسؤولياته كاملة”، حسب المقال.
الراحة الوهمية وصراع الواقع
رغم تحملها لهذا العبء، ظلت الصورة الخارجية بعيدة عن هذه الحقيقة. ففي نظر جزء من المجتمع السوري، تعيش المرأة في أوروبا “راحة مطلقة”، بينما الواقع يكشف عن تحديات لا تقل قسوة عمّا عاشته سابقاً، بل تواجه أيضاً أحكاماً اجتماعية تصفها بأنها “خرجت عن ثوبها التقليدي” لمجرد أنها صارت أكثر استقلالية. ومن هنا، تتكشف ملامح تجربة المرأة السورية في ألمانيا كـ “رحلة مزدوجة”: رحلة تأقلم مع مجتمع جديد، ورحلة صراع داخلي مع مسؤوليات غير مألوفة.
صبا: “أحمل على كتفي بيتاً كاملاً”
قصص النساء الفردية تلخص هذا التحول. فـ “صبا” (طلبت عدم ذكر اسمها كاملاً) لخصت تجربتها لموقع “تلفزيون سوريا” بعد تسع سنوات من اللجوء بالقول: “يظنون أنني بجنات النعيم والراحة، بينما أنا أحمل على كتفي بيتاً كاملاً”. وصلت صبا عبر لمّ الشمل، ليصفها الأقارب في بلدان أخرى بأنها “على البارد المستريح”. ولكن بعد ثلاث سنوات من وصولها، توسع عمل زوجها كمحام مما دفعه للغياب لأسابيع وربما أشهر، تاركاً لها عبء الأسرة برمتها مع ثلاثة أبناء، حيث وجدت نفسها أمام مسؤوليات لا تتوقف، مؤكدة: “في هذه البلاد لا ينظرون إلي كامرأة أو رجل، بل كمسؤول يجب أن ينجز ما عليه، ولهذا لم أعرف يوماً معنى الراحة الذي يتحدثون عنه”.
فاديا: الدور المزدوج ومواجهة الأعباء
قصة صبا هي صورة متكررة لما تعيشه كثير من النساء، حيث تحولت المرأة إلى “العمود الفقري” للأسرة في غياب الأزواج الطويل أو التام. فـ “فاديا” (43 عاماً)، وهي أم لخمس بنات وصبي، تعيش في ألمانيا ويعمل زوجها سائق توصيل بريد، يخرج صباحاً ولا يعود إلا مساءً. قالت فاديا “للموقع نفسه”: “أنا المسؤولة عن كل شيء تقريباً مواعيد، متابعة إتمام الالتزامات، إعداد الطعام، وحتى الأوراق الرسمية”.
وروت حادثة عن انكسار صنبور المياه استغرقت منها أربعة أيام من “الركض خلف هذا الأمر… مواصلات لمناطق بعيدة ولغة وشرح، تحملت وحدي عبء منزل واحتياجاته”.
ورغم كل ذلك، تصطدم بنظرة “سطحية” من المجتمع المحيط، مضيفة: “يومياتي تنتهي وأنا أشعر أنني أقوم بعدة أدوار في وقت واحد، دور الأم والمرأة ودور الرجل أيضاً، هذه ليست رفاهية بل معاناة مضاعفة”.
تحديات الاندماج وسوق العمل
في هذا السياق، أشارت دراسة حديثة صادرة عن معهد بحوث سوق العمل الألماني (IAB) عام 2023، استناداً إلى بيانات مسح اللاجئين (IAB-BAMF-SOEP)، إلى أن المرأة السورية في ألمانيا تتحمل أدواراً متعددة تفوق الأعباء التقليدية. فبالإضافة إلى رعاية الأطفال وإدارة المنزل، تواجه تحديات كبيرة في الاندماج بسوق العمل، وغالباً ما يعملن في وظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهن بسبب صعوبة معادلة الشهادات.
وتوضح الدراسة أن التوفيق بين العمل والمتطلبات الأسرية يمثل عبئاً إضافياً، لكنها تشير إلى تحسن تدريجي في فرص العمل مع تعزيز مهارات اللغة والمشاركة في برامج التعليم والتدريب.
نظرة المجتمع القاسية و”العبء المعنوي”
تتعرض المرأة لضغوط نفسية واجتماعية مركبة حين تُقابل جهودها بالنقد بدلاً من الدعم. أوضحت الناشطة الاجتماعية سما الرفاعي أن التغيير الذي تمر به النساء ليس خياراً حراً بقدر ما هو “استجابة قسرية لظروف صعبة”، وأن المجتمع غالباً ما يضع المرأة في موقع الاتهام بدل التعاطف.
أشارت الرفاعي إلى أن المرأة حين تضطر لتحمل دور الرجل ومسؤولياته، تصبح تحت ضغط نفسي مضاعف، مما يراكم لديها مشاعر القلق والإرهاق ثم الإحساس بالذنب. كما ترى أن جهود النساء لا تُقدّر غالباً بالقدر الكافي، بل يضاف إليها ضغوط اجتماعية خفية تتجلى في التوقعات التقليدية والمقارنات، حيث “تحمل المرأة مسؤولية التغييرات داخل الأسرة دون مراعاة للظروف القسرية”.
لا يتوقف الإرهاق عند المهام اليومية، بل يمتد إلى ما يُعرف بـ “العبء المعنوي”، وهو الجهد الذهني والتنظيمي غير المرئي. وفي هذا السياق، أظهرت دراسة إيطالية حديثة (2025) أن النساء، خاصة المتعلمات والعاملات، يتحملن قسطاً أكبر من هذا العبء الفكري والتنظيمي داخل الحياة الزوجية، مما ينعكس عليهن بمستويات أعلى من الإرهاق النفسي.
وشددت الرفاعي على أن “الحكم على المرأة انطلاقاً من صورة تقليدية جامدة هو ظلم حقيقي”، وأن المجتمع ما زال يقيم النساء وفق أدوار نمطية، وينظر إلى أي خروج عنها كتهديد للمنظومة لا كرد فعل طبيعي لضغط غير عادل، داعيةً إلى الوعي الجمعي وإدراك قسوة الغربة، وضرورة دعم أفراد المجتمع لبعضهم البعض بلطف بدل الاتهام.
اقرأ أيضاً:المستشار الألماني يطالب الشرع بزيارة برلين لبحث ترحيل سوريين
اقرأ أيضاً:إقصاء في المكاتب ودماء في الشوارع.. تراجع مكانة المرأة السورية