موجة غلاء جديدة تضرب السوريين.. قرارات حكومية ترفع أسعار المحروقات والكهرباء وتخنق ما تبقّى من الصناعة
داما بوست -خاص
تشهد سوريا منذ مطلع عام 2025 سلسلة من القرارات الحكومية المثيرة للجدل، تمثلت في رفع متكرر لأسعار المحروقات والكهرباء، وسط تدهور اقتصادي ومعيشي غير مسبوق يعيشه المواطن السوري، في وقت تتحدث فيه الحكومة عن “إصلاحات اقتصادية” و”تصحيح للأسعار”، بينما يرى المواطنون أن ما يجري هو تجريدهم من آخر أشكال الدعم ودفن ما تبقّى من الطبقة الوسطى.
الكهرباء.. من خدمة عامة إلى عبء لا يُحتمل:
أعلنت وزارة الطاقة السورية عن رفع جديد لتعرفة الكهرباء، شمل مختلف القطاعات العامة والخاصة، على أن يُطبّق القرار اعتبارًا من مطلع تشرين الثاني/نوفمبر 2025.
التعرفة الجديدة قسمت المستهلكين إلى أربع شرائح، تبدأ من 600 ليرة سورية للكيلوواط للمشتركين المدعومين، وتصل إلى 1,800 ليرة للمعامل والصناعات الثقيلة.
وبحسب الوزارة، يهدف القرار إلى “ضمان استمرارية التيار الكهربائي وتقليل الفاقد النقدي”، لكن الواقع يقول شيئاً آخر.
المحامي باسل سعيد مانع علّق على القرار قائلاً: “من كان يستهلك 800 كيلوواط ويدفع 15,300 ليرة، سيدفع اليوم 880 ألف ليرة. هذا أمر غير منطقي وغير مبرر اقتصادياً”.
ويرى كثيرون أن القرار لا يراعي الفجوة الهائلة بين الأجور والأسعار، إذ لا يتجاوز متوسط دخل الموظف الحكومي مليون ليرة سورية شهريًا، بينما تتضاعف فواتير الكهرباء والمحروقات إلى أضعاف هذا الدخل.
“سادكوب” ترفع الأسعار للمرة الرابعة في عام واحد:
لم تكد الأسواق تستوعب صدمة أسعار الكهرباء، حتى أعلنت الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية (سادكوب) عن رفع جديد لأسعار المشتقات النفطية، ليكون الرابع منذ بداية عام 2025، والثاني خلال أقل من أسبوع واحد.
ووفق التسعيرة الجديدة، بلغ سعر ليتر البنزين أوكتان 90 نحو 13,200 ليرة سورية، والمازوت 11,400 ليرة، فيما وصل البنزين 95 أوكتان إلى 14,760 ليرة، بينما ارتفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي إلى 142 ألف ليرة.
هذه الزيادات المتلاحقة جاءت بعد تعديل سعر الصرف الرسمي إلى 11,800 ليرة للدولار، في خطوة ربطها مراقبون بمحاولة “تحرير تدريجي للأسعار”، على حساب المواطن محدود الدخل.
ويرى خبراء اقتصاديون أن سياسة ربط أسعار المحروقات بالسوق العالمية “تؤدي فعلياً إلى رفع الدعم تدريجيًا دون إعلان مباشر”، معتبرين أن الحكومة “تحاول تحميل المواطن تكلفة الفشل الإداري والفساد الذي ينهش القطاع النفطي”.
المواطنون بين نار الغلاء وغياب البدائل:
ردود الفعل الشعبية على القرارت جاءت غاضبة، حيث عبّر العديد من المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن سخطهم من “سياسة الخنق المعيشي”.
أحدهم كتب: “بهيك أسعار ما بدنا نزيد ساعات التغذية.. من وين الناس تجيب مصاري وتدفع للكهرباء؟”.
وآخر قال: “الحكومة ترفع الأسعار قبل أن تفكر بزيادة الرواتب أو تحسين الخدمات.. كأنها تعيش في بلد آخر”.
في المقابل، تصرّ الحكومة على أن قراراتها “تهدف إلى إصلاح قطاع الطاقة وضمان الاستمرارية”، غير أن الشارع يرى أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من محاربة الفساد والهدر، لا من جيوب المواطنين.
الصناعة تدفع الثمن.. إغلاق معامل وورش في عدرا الصناعية:
تداعيات رفع الأسعار لم تتوقف عند المواطنين، بل امتدت إلى القطاع الصناعي، حيث توقفت عدة ورش ومعامل في مدينة عدرا الصناعية بريف دمشق عن العمل نتيجة ارتفاع كلفة الكهرباء والإنتاج.
وانتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لرجل أعمال يعلن إغلاق مصنعه مؤقتًا، مكتفيًا بالقول: “إن شاء الله منرجع أحسن من الأول قريباً، والله يحسن الحال”، من دون توضيح الأسباب، إلا أن مصادر صناعية رجّحت أن الارتفاع الحاد في أسعار الكهرباء كان السبب الرئيسي وراء التوقف، ما أدى إلى تضرر أكثر من 360 عاملًا وفقدانهم مصدر رزقهم.
اقتصاد على شفير الانهيار:
تتزامن هذه القرارات مع تراجع الليرة السورية، وتدهور القوة الشرائية، وارتفاع أسعار الغذاء والنقل. ويحذر محللون من أن استمرار سياسة رفع الأسعار دون خطط واضحة لتعويض المواطنين سيؤدي إلى “انفجار اجتماعي” أو موجة هجرة جديدة.
ويقول أحد الخبراء الاقتصاديين في دمشق: “الحكومة تحاول تطبيق إصلاحات على الورق، لكنها تنفذها في واقع بلا بنية اقتصادية ولا حماية اجتماعية. النتيجة هي انهيار القدرة الشرائية وتسارع الفقر”.
القرارات الحكومية الأخيرة برفع أسعار المحروقات والكهرباء لا يمكن قراءتها بمعزل عن الأزمة الاقتصادية الأعمق التي تمر بها البلاد. فبينما تتحدث الحكومة عن “الإصلاح” و”ترشيد الدعم”، يراها المواطنون محاولة لتغطية عجز الخزينة من جيوب الفقراء، ما يفاقم الغلاء ويعمّق الفجوة بين الدولة والمجتمع.
إقرأ أيضاً: زيادة أسعار الكهرباء في سوريا… واقع مرير وأزمات متتالية
إقرأ أيضاً: إغلاق مصنع الحجار للنسيج في سوريا.. ارتفاع أسعار الكهرباء يهدد 360 عاملاً