المجموعات المرتبطة بإيران في سوريا: ورقة نفوذ أم ذريعة للاشتباك؟
عاد ملف المجموعات المرتبطة بإيران في الجنوب السوري إلى الواجهة مجدداً، بعد إعلان جماعة تُطلق على نفسها اسم “المقاومة الوطنية في سوريا – كتيبة الشهيد أحمد مريود” تبنّيها تفجيراً بعبوة ناسفة استهدف موقعاً عسكرياً في ريف القنيطرة.
العملية تزامنت مع تأكيدٍ إسرائيلي عن إصابة أحد جنودها في التاسع والعشرين من أيلول، ما فتح الباب أمام تساؤلات حول هوية هذه الجماعة وطبيعة نشاطها في المنطقة الحساسة جنوب البلاد.
ورغم الشعارات التي رفعتها الجماعة تحت عنوان “النضال حتى تحرير كامل التراب السوري”، فإنها وجّهت اتهامات إلى الحكومة السورية بملاحقة عناصرها، معتبرة أن “العدو الحقيقي هو إسرائيل”. إلا أن بياناً لاحقاً من أهالي القنيطرة وعائلة مريود نفى أي علاقة لهم بالجماعة، واعتبرها محاولة من بقايا النظام السابق لإثارة الفوضى وتشويش الرأي العام.
هذا التناقض في الروايات أعاد طرح السؤال حول حقيقة وجود المجموعات مرتبطة بإيران أو حزب الله في الجنوب السوري، وما إذا كانت تمثل تهديداً فعلياً، أم مجرد ورقة ضغط توظفها “إسرائيل” لتبرير اعتداءاتها العسكرية المتكررة على الأراضي السورية.
تباين المواقف بين دمشق وتل أبيب
يبرز تباين واضح بين الموقفين السوري والإسرائيلي حيال ملف المجموعات الإيرانية. فبينما تصف “إسرائيل” هذه المجموعات بأنها تهديد مباشر لأمنها القومي، تستخدمها ذريعةً لتبرير تدخلاتها العسكرية، تتعامل الحكومة السورية معها بوصفها خطراً داخلياً يهدد الاستقرار في مرحلة انتقالية دقيقة.
في هذا السياق، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي في 11 أيلول عن تنفيذ عمليات خاصة خلال الأشهر الماضية أسفرت عن اعتقال خلايا مرتبطة بفيلق القدس الإيراني، بينها ضابط سوري برتبة مقدم يُدعى حسين محمود علي كبر وأربعة من عناصره في ريف القنيطرة. كما تحدث عن اعتقال عناصر آخرين في حملات مداهمة بريف القنيطرة خلال تموز الماضي.
وفي المقابل، كشفت وزارة الداخلية السورية عن اعتقال خلايا تابعة لحزب الله في ريف دمشق الغربي، ولاحقاً في مدينة البوكمال شرقي البلاد، قالت إنها كانت تخطط لعمليات تهدد أمن واستقرار المواطنين. كما أطلقت حملة أمنية واسعة في السيدة زينب في آذار الماضي، شملت ملاحقة عناصر بحوزتهم عبوات ناسفة مرتبطة بمجموعات تابعة لحزب الله، ضمن ما وصفته الوزارة بإجراءات “لحماية الاستقرار ومنع عمليات إرهابية”.
جدل حول الوجود الإيراني جنوب سوريا
يبقى الحديث عن وجود مجموعات مرتبطة بإيران أو حزب الله في الجنوب السوري محلّ جدل واسع. فبينما تصرّ “إسرائيل” على أن هذه المجموعات تمثل تهديداً مباشراً، تشير معطيات ميدانية إلى أن نشاط طهران لم يختفِ كلياً بعد سقوط النظام السابق، بل عاد للظهور عبر تشكيلات مسلّحة جديدة.
في كانون الأول/ديسمبر 2024، برزت جماعة “جبهة تحرير الجنوب” التي غيّرت اسمها لاحقاً إلى “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا – أولي البأس”، وتبنّت رموزاً وشعارات قريبة من حزب الله.
وبحسب دراسات لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ومركز “ألما” الإسرائيلي، تسعى إيران من خلال هذه الجماعات إلى الحفاظ على نفوذها في سوريا بعد خسارتها لنظام الأسد، الذي شكّل حليفها الأهم في المنطقة.
الأكاديمي عبد الرحمن الحاج يرى أن جذور الحديث عن هذه الخلايا تعود إلى عام 2018 عندما أنشأ الحرس الثوري ما عُرف بـ”وحدة الجولان”، لكنها لم تعد موجودة فعلياً بعد مقتل قائدها وسام الطويل مطلع 2024.
ويشير إلى أن جماعات مثل “أولي البأس” تفتقر إلى التنظيم الميداني، وأن ظهورها الإعلامي يفوق قدرتها الفعلية على تنفيذ عمليات مؤثرة.
أهداف طهران ودوافع دمشق
يرى مراقبون أن إيران تستخدم هذه المجموعات كأداة لعرقلة المسار السياسي في سوريا وضمان استمرار نفوذها في بعض المناطق، خاصة في الجنوب والشرق.
ويرى الباحث لورانس الشمالي أن طهران تحتفظ بخلايا أمنية محدودة النشاط، تقتصر حالياً على جمع المعلومات والتسليح البسيط، بانتظار تغيّر المعادلات السياسية في دمشق.
أما دمشق، فبحسب الباحث مصطفى النعيمي، تتبنى سياسة تقوم على “تصفير العداء” وتجنب أي تصعيد قد يمنح “إسرائيل” ذريعة جديدة للتدخل، لا سيما في مناطق مثل القنيطرة وأطراف العاصمة. ويضيف النعيمي أن الحكومة السورية تدرك أن أي اشتباك محدود قد يتحول إلى مواجهة أوسع تخدم تل أبيب أكثر مما تضرّها.
ورقة ضغط أم تهديد حقيقي؟
يبقى المشهد في الجنوب السوري معقداً، وسط تبادل الاتهامات بين دمشق وتل أبيب، وتضارب الروايات حول طبيعة الجماعات المسلحة هناك.
ففي الوقت الذي تؤكد فيه “إسرائيل” أن المجموعات الإيرانية تمثل خطراً وجودياً، ترى دمشق أن تضخيم هذا الملف يخدم أهدافاً سياسية، في حين تشير تقارير دولية إلى أن نشاط هذه المجموعات — وإن كان محدوداً — لا يزال قائماً.
وبين الاتهامات والنفي، يبدو أن ملف المجموعات الإيرانية في الجنوب السوري تحوّل إلى ساحة اشتباك غير مباشر بين دمشق وتل أبيب، حيث يستخدمه كل طرف بما يخدم أجندته الأمنية والسياسية، بينما يبقى الجنوب السوري رهينة توازنات إقليمية دقيقة لا يُعرف بعد إلى أين ستقوده.
اقرأ أيضاً:مستقبل النفوذ الروسي في سوريا بعد سقوط الأسد: حضور متواضع بمكاسب استراتيجية
 
			 
				