تضغط الولايات المتحدة لعقد اتفاق بين سوريا و”إسرائيل”، فما كان قبل سقوط النظام السوري حلماً طوباوياً بات سيناريو يختبئ بين جدران السياسة المغلقة. عمليًا لم تقفز دمشق فوق رغبة “التهدئة” من الطرف الإسرائيلي، ولعلّ إعلان المبعوث الأمريكي لسوريا “توماس برّاك” نية العمل على ضمان وقف الهجمات الإسرائيلية والانسحاب من المناطق الجديدة التي احتُلّت، يتفق لحد كبير مع ما أرادَ الشرع تمريره قبل تحضير الأجواء لإعلان صك الترتيبات الأمنية برعاية إدارة ترامب التي تطبخ رفع العقوبات على نار هادئة.
المعتقلون السوريون في سجون الاحتلال: ملف منسي وسط الترتيبات الأمنية:
وبين خطوط النّار التي زرعتها “إسرائيل”، وسطور التفاهم غير المكتوبة، يغيب ملف المعتقلين السوريين لدى الاحتلال الإسرائيلي عن التصريحات ورمال التوقّعات. حيث بلغ عددهم حتى لحظة إعداد مادّتنا هذه، أكثر من 40 شخصاً، 32 منهم اعتُقلوا بعد سقوط النظام في 8 ديسمبر/2024، بظروف اعتقال تتشابه، وكذلك أحيانًا ذرائع اعتقالهم.
بحسب مصادر شبكة “داما بوست”، استهدفت عملية الدهم والتفتيش التي نفذّها الاحتلال الإسرائيلي يوم 17 أيلول، في قرى خان أرنبة وجباثا الخشب وأوفانيا بريف القنيطرة، عددًا من المنازل، وأدّت بالنتيجة لاعتقال 4 شبّان سوريين اثنان منهم من عائلةٍ مريود، وآخران من بيت سليمان وعرابي. وهذه أحدث عملية اعتقال في الآونة الماضية. لجانب عملية تمّت في قرية كودنا لكن لم ترجَع بنتائج وفق مصادرنا الأهلية.
وبتحليل خريطة الاعتقالات، تبيّن أنها كانت نشطة خلال شهري حزيران وتموز 2025، تحديدًا في بيت جن بريف دمشق، وطرنجة في القنيطرة، واستهدفت عدّة أفراد من عائلة واحدة في اليوم ذاته، لا سيما عوائل: الصفدي، القريّان، وحمادة، وبكر، والهتيمي.
اعتقالات جديدة في القنيطرة: الاحتلال يبرر بـ”خلايا إيرانية” والوجهاء يردّون:
الوجهاء في القنيطرة، أكدوا لـ “داما بوست”، أن حجج الاحتلال في التوغلات والاعتقالات تستند على إدعاء وجود خلايا لإيران وحزب الله. لكن حقيقة الحال تنفي ذلك، خصوصًا مع سقوط النظام وتأكيد إسرائيل مرارًا وتكرارًا على محاربتهما، ويضيفون، “لم تعد حجة مقنعة، بل سياسة احتلال مفروضة بالقوة، تسعى لخلق أمر واقع يسلّم بالخوف، وهذا ما نرفضه كأهالي جنوبي سوريا، وننتظر نتائج اجتماعات نيويورك ليبنى على الشيء مقتضاه، بالنسبة لنا هناك عدم وضوح من الحكومة السورية لا في ملف المعتقلين ولا التوغلات المتكررة التي قد يضمنها التفاهم وقد لا يضمنها، أمّا إسرائيل باتت سياستها مكشوفة.”
روايات أهالي المعتقلين: وجع الانتظار وظلال الغياب:
وبالعودة لملف المعتقلين، فإنّ ظروف الاعتقال القسرية تتشابه لحد كبير، ويسبقها خلق هاجس نفسي لدى الأهالي، لا سيما أنها تُسبق بإقامة حواجز، وإرسال طيران مسيّر وإذاعة عبر مكبرات الصوت تطالب باسم الشخص، وتداهم منزله تحت وطأة السلاح دون مراعاة الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية، ويقول مصدر أمني أن الحركة النشطة للاحتلال تزايدت وغالبًا ما يكون مخطط لها مسبقًا ما يعزز من فرضية اختراق النسيج الاجتماعي الذي تعوّل عليه إسرائيل وفق عقيدتها الأمنية.
تقول أم المعتقل “خليل العارف” (فلسطيني سوري) الذي ما يزال معتقلاً منذ 24 كانون الأول، إنّ قوات الاحتلال دخلت منزله بطريقة وحشية؛ بحجّة البحث عن السلاح، واستمر التفتيش أكثر من ساعة دون إيجاد شيء، وتضيف، منذ 9 أشهر ولا اعرف مصيره، اكتفي باحتضان صورته، وتؤكد أن لا ارتباطات عسكرية له، هو عامل مدني لا يأكل إن لم يعمل، ولديه 3 بنات ما يزلن وأمهنّ على شوق عودته.
ويقاسمها الهمّ ذاته، عوائل المعتقَلين “بهاء وعلي” وهما أولاد عم، في العقد الأولى من العمر، و مضى على اعتقالهما نحو 3 أشهر، في معرية بدرعا، يقول أحد أقاربهم: بينما كانا في زيارة جدّتهم أطلق الاحتلال الإسرائيلي النار عليهم فأصابهم بجِراح لينقلوا بعدها اختطافًا إلى “المركز الطبي في الجليل” (مستشفى نهاريا)، ولم يُعرف مصيرُهما حتى هذا التاريخ، في حين أنّ ضابط الارتباط التابع لقوات الأمم المتحدة (يوندوف) أكّد خروجهما من المركز الطبي، وإخضاعهم للتحقيق قبل 10 أيام تقريبًا. وتشدّد الجدّة في حديثها لنا، أنّ فور مغادرتهم منزلها عمدت قوات الاحتلال إطلاق النار عليهما، لتتوغّل بعدها بقوة منظّمة وتقوم باعتقالهم، دون أي سبب أو مبرر واضح.
وعلى هذا الحال يستمرّ واقع أهالي المعتقلين السّوريين لدى الاحتلال، بين انتظار معرفة مصير أبنائهم، وبين إمكانية أن تكون سردية التفاهم الأمني القريب ضامنةً لرحلة انتظار عودتهم من عدمها في روايةٍ تغدو شبه غائبة.
إقرأ أيضاً: توغل إسرائيلي في ريف درعا واعتقال ثلاثة شبان
إقرأ أيضاً: الاتفاق الأمني بين دمشق وتل أبيب: هل بدأت سوريا تدخل مرحلة تقاسم أمني معلن؟