إعادة إعمار سوريا بعد الحرب: تحديات اقتصادية وسياسية في ظل قيادة الشرع

بعد أكثر من أربعة عشر عاماً من الحرب المدمّرة والعقوبات الغربية المشددة، تدخل سوريا مرحلة جديدة عنوانها “إعادة الإعمار”، في ظل الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع. ورغم الوعود بالإصلاح والانفتاح الاقتصادي، إلا أن البلاد لا تزال تواجه تحديات معقدة تجعل مسار التعافي محفوفاً بالمخاطر.

إقرأ أيضاً: المنح الخليجية للاقتصاد السوري.. دعم مؤقت أم دليل على هشاشة الحكومة الانتقالية؟

تكلفة إعادة إعمار سوريا: أرقام ضخمة واقتصاد منهك:

تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن تكلفة إعادة إعمار سوريا تتراوح بين 250 و400 مليار دولار، في وقت يعيش فيه حوالي 90% من السوريين تحت خط الفقر. وقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي من 60 مليار دولار قبل الحرب إلى نحو 17.5 مليار دولار فقط في عام 2023، ما يعكس حجم التراجع الاقتصادي الحاد.

ورغم أن رفع بعض العقوبات الدولية عام 2025 بعد سقوط النظام السابق فتح الباب أمام المساعدات الخارجية والتحويلات المالية، فإن أزمة السيولة الحادة والانهيار شبه الكامل في قيمة الليرة السورية (التي فقدت أكثر من 99.7% من قيمتها)، لا تزال تعرقل أي جهود حقيقية للتعافي الاقتصادي.

انهيار القطاعات الإنتاجية الحيوية:

تعاني القطاعات الاقتصادية الأساسية في سوريا من شلل شبه كامل:

1- قطاع النفط: تراجع الإنتاج من 380 ألف برميل يومياً عام 2010 إلى أقل من الثلث حالياً.

2- الغاز والكهرباء: رغم اتفاق لتوريد الغاز الأذري بتمويل قطري، لا تغطي الكهرباء سوى أقل من نصف الحاجة المحلية.

3- الزراعة: تراجع إنتاج القمح إلى أقل من مليون طن عام 2024، بعد أن كان يتجاوز 4 ملايين طن قبل الحرب.

4- السياحة: كانت تستقطب 8 ملايين سائح سنوياً، لكنها توقفت تماماً خلال سنوات الحرب ولم تتعافَ بعد.

خطط اقتصادية طموحة… ومخاوف من احتكار النخب:

أطلقت الحكومة السورية الجديدة خطة إصلاح اقتصادي شاملة، تتضمن:

1- تحرير الأسواق وتخفيض الرسوم الجمركية بنسبة تصل إلى 60%.

2- خصخصة الشركات العامة.

3- إصدار عملة جديدة عبر حذف صفرين من الليرة السورية.

4- توقيع اتفاقيات استثمارية ضخمة مع دول وشركات كبرى، أبرزها صفقة بـ7 مليارات دولار مع قطر لإعادة بناء قطاع الطاقة.

لكن هذه الخطط تواجه انتقادات داخلية ودولية بسبب شبهات “احتكار النخب الجديدة للموارد”، لا سيما مع توسّع نفوذ حازم الشرع، شقيق الرئيس الانتقالي، الذي يتولى إدارة ملف توزيع المشاريع الكبرى من خلال لجنة اقتصادية سرية، بحسب تحقيق نشرته وكالة “رويترز”. وتثير هذه المخاوف القلق من إعادة إنتاج نموذج المحسوبية الذي ساد في عهد النظام السابق.

عوائق سياسية وأمنية تهدد بيئة الاستثمار:

تواجه الحكومة السورية الانتقالية تحديات سياسية حادة، أبرزها:

هيمنة هيئة تحرير الشام على معظم الوزارات، ما يثير قلق الأوساط المحلية والدولية من تأثير الأجندات المتشددة على الحياة المدنية.

القيود الاجتماعية والدينية المفروضة في بعض المناطق، مثل فرض اللباس الشرعي، وفصل الإناث عن الذكور في المدارس، تقييد الموسيقى وأماكن السهر، ومظاهر التشدّد الديني التي تهدد التنوع المجتمعي في سوريا.

التوترات الطائفية التي شهدتها مناطق مثل الساحل والسويداء، والتي عمّقت الانقسامات المجتمعية وعرقلت جهود المصالحة.

ورغم تعهدات الرئيس أحمد الشرع في الأمم المتحدة ببناء “دولة شاملة تقوم على الأمن والدبلوماسية والتنمية الاقتصادية”، إلا أن الشرعية السياسية الداخلية لا تزال موضع جدل، في ظل غياب مصالحة وطنية شاملة تضمن تمثيل حقيقي لجميع مكونات المجتمع السوري.

هل تنجح سوريا في جذب الاستثمارات الأجنبية؟

يرتبط نجاح عملية إعادة إعمار سوريا بقدرة القيادة الجديدة على:

1- استعادة ثقة الشعب والمؤسسات الدولية.

2- ضمان الاستقرار الأمني والسياسي.

3- إحداث إصلاحات حقيقية في بنية الدولة.

4- مكافحة الفساد واحتكار الموارد.

كما يتطلب جذب الاستثمارات الدولية تحقيق انفتاح اقتصادي حقيقي، وتوفير بيئة قانونية واضحة، وضمان استقلالية القضاء ومكافحة الفساد. فبدون ذلك، ستظل المشاريع الكبرى رهينة الحسابات السياسية والصفقات المغلقة.

خلاصة: إعادة إعمار سوريا ممكنة ولكن بشروط:

بين الطموحات الاقتصادية التي ترفعها القيادة الانتقالية والتحديات البنيوية التي تواجهها البلاد، تبقى إعادة إعمار سوريا هدفًا صعبًا لكنه ممكن، بشرط توفر الاستقرار، الشفافية، والانفتاح الحقيقي.

ما لم تُنفّذ إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة تعالج جذور الأزمة، فإن هذه المرحلة قد تُعيد إنتاج الفشل، بدلاً من أن تمثّل نقطة تحوّل في تاريخ البلاد.

إقرأ أيضاً: الانتخابات التشريعية الأولى بعد الأسد: وعود انتخابية بين الاقتصاد والعدالة الانتقالية

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.