“إسرائيل” وتفكيك الساحل السوري: اختراق ناعم عبر الفوالق الطائفية ووسطاء إقليميين

“تل أبيب” ترسم “الخطوط الحمر” في سوريا:

منذ 8 كانون الأول الماضي، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي سلسلة من الضربات العسكرية ضد مواقع الجيش السوري، انتهت في 11 من الشهر نفسه، حيث أعلنت وزارة الحرب الإسرائيلية عن تدمير 80% من قدرات الجيش السوري السابق. لكن ما تلا تلك الضربات لم يكن مجرد استهدافات عسكرية، بل حمل أهدافاً سياسية استراتيجية تتجاوز البعد العسكري، حيث سعت إسرائيل إلى رسم “الحدود” أمام حركة السلطات الجديدة في سوريا، سواء على الصعيد الجغرافي أو السياسي أو العسكري. كما وضعت إسرائيل“، “خطوطًا حمر” لمنع أي تمدد تركي كان يُتوقع له أن يزداد بعد انهيار النظام السوري السابق.

القوة الناعمة الإسرائيلية: اختراق المجتمع عبر تمويل وشخصيات دينية:

في الوقت نفسه، عملت إسرائيل على استغلال حالة الفوضى والانقسامات الداخلية التي تفاقمت في سوريا منذ عام 2011، والتي وصلت إلى ذروتها بعد سقوط النظام السابق. تجلّت بوضوح خصوصاً في أعقاب أحداث «آذار الأسود» في الساحل. والتي كانت فرصة لـ “إسرائيل لتوظيفها بما يخدم أجندتها، عبر تقوية الفوالق الداخلية في المجتمع السوري، مما أدى إلى تفاقم الانقسامات العرقية والطائفية.

نشاط استخباراتي غير مباشر في الساحل السوري بتمويل خليجي:

وفي هذا الإطار، يؤكد ضابط الاستخبارات السوري السابق “أ. س.”، المقيم في الخارج بعد أن قضى 28 عاماً في “فرع فلسطين” الذي كانت أولى مهامه مكافحة التجسس الإسرائيلي، أن “النشاط الإسرائيلي الراهن في الساحل ليس مباشراً، بل يمر عبر دولة خليجية تتولى تمويل ناشطين، بعضهم رجال دين، وكثيرون منهم لا يعرفون في النهاية لمصلحة من يعملون”.

ويضيف لصحيفة “الأخبار” اللبنانية، أن هذه الخلايا تهدف إلى تشجيع الانقسامات بين أبناء الساحل ودعم مواقف تساند الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، كما تعمل على منع التحاق شباب الساحل بالجماعات المسلحة التي تتبنى شعار “مقاومة الاحتلال الإسرائيلي”. وقد رُصدت محاولات لهذه الخلايا في عدة مناطق سورية، مما يشير إلى أن النشاط الإسرائيلي في هذه المنطقة يعتمد بشكل رئيسي على التأثير في المزاج العام وليس على تدخلات عسكرية مباشرة.

ورداً على سؤال عمّا إذا رُصد نشاط إسرائيلي مباشر في الساحل، يؤكّد مسؤول أمني من المنطقة، رفض الكشف عن هويته، أنه “عُثر على أرومات حوالات مالية في جيوب بعض الأفراد الذين اعتقلهم الأمن العام قرب الكلية البحرية في جبلة عشية أحداث 6 آذار الماضي”. وبعد التدقيق، تبيّن أن “جميع الحوالات تلك صادرة عن مكتب واحد في القامشلي”، وفقاً للمسؤول، الذي يشير إلى أنه “ثبُت لنا وجود علاقة ما بين المكتب المذكور ومكتب لـ”الموساد” يعمل في شمال العراق”. وحول الإجراءات التي اتخذتها السلطات بعيد توافر هذه المعلومات، يجيب المصدر: “قمنا بإغلاق مكاتب الشركة في الساحل، كما اتخذنا إجراءات أخرى لا يمكن الإعلان عنها”.

المرصد السوري: العلويون في الخارج يفتحون قنوات تواصل مع “إسرائيل”:

وفي حين يرى رامي عبد الرحمن مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان” في حديثه لـ “الأخبار”، أن النشاط الإسرائيلي في الساحل لا يتعدى حدود التأثير الإعلامي والسياسي، إلا أن بعض العلويين المقيمين في الخارج يحاولون فتح قنوات اتصال مع إسرائيل، على أمل أن تحصل المناطق العلوية على نفس الدعم الذي قدمته إسرائيل لدروز السويداء في السابق.

ويتابع أن “شخصيات علوية التقت أخيراً بوزير إسرائيلي سابق في دولة خليجية”، قبل أن يستدرك بأن “السويداء تختلف جذرياً عن الساحل في التفكير الإسرائيلي، وأن “إسرائيل” لن تدعم كياناً انفصالياً في الساحل، وجلّ ما تفكر فيه هو تفكيك البنى الموروثة والحالة العدائية تجاهها”، على حدّ قوله.

بالمجمل، يظهر أن الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي في هذه المرحلة هو خلق بيئة داخلية قابلة للتأثر بالأجندات الإسرائيلية، مع تحضير الأرضية لنشاط استخباراتي واسع، وتوسيع نطاق الاختراقات الأمنية في المناطق التي قد تشهد تطورات سياسية وعسكرية خطيرة، خاصة مع التوترات الإقليمية المتزايدة بين تركيا وإسرائيل في سوريا.

إقرأ أيضاً: إسرائيل تثبّت نقاطًا عسكرية في رخلة: خطوة استراتيجية تهدد أمن دمشق وبيروت

إقرأ أيضاً: مفاوضات سورية – إسرائيل: مسار معقد وحبل تفاهم قصير

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.