وصل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى سوتشي للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، صباح الإثنين، وسبق وصوله أن احتلت أطروحات “صفقة الحبوب” عناوين الصحف العالمية ووسائل الإعلام، كما انشغلت بتحليل مضامين الزيارة وأهدافها.
وفور وصوله التقى إردوغان ببوتين، وسط توجه الأنظار لما يحمله الرئيس التركي في جعبته إن كان سيقنع بوتين باستئناف الصفقة مجدداً، وحول الضمانات التي يمكن أن تحصل عليها موسكو مقابل قبولها في العودة.
وفي مدينة سوتشي الروسية التي شهدت في السابق أهم القمم الروسية التركية، التقى الرئيسان مجدداً، وأكدا في مستهل لقائهما عمق مجالات التعاون بينهما، وأعلنا عن تعاون بشأن مراكز الغاز ومجال الطاقة النووية، في حين عبّر بوتين عن استعداده للتفاوض بشأن اتفاق الحبوب.
ويرافق إردوغان في زيارته وزيرا الخارجية “هاكان فيدان” والصناعة والتكنولوجيا “محمد فاتح كاجر” ومسؤولون آخرون، ويأتي اللقاء بين الرئيسين لأول مرة منذ 11 شهراً وسط توتر عالمي متزايد في مختلف الملفات.
وحول العلاقة بين أنقرة وموسكو، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة العلوم الإنسانية في موسكو “نزار بوش” لـ “داما بوست” أن العلاقة بين الدولتين لم تنقطع رغم كل الخلافات بينهما في الكثير من الملفات، وذلك يعود لأسباب مختلفة أهمها الموقع الجيوسياسي لتركيا والعلاقات التجارية والاقتصادية والسياحية أيضاً بينهما، حسب رأيه.
ويرى “بوش” أن توقيت الزيارة التركية لروسيا جاء في خضم ظروف عالمية صعبة، ومعاناة اقتصادية تركية قائلاً.. “الاقتصاد التركي يعاني كثيراً الآن، ولولا التبادل التجاري مع روسيا إضافة للسياحة الروسية إلى تركيا لتدهور الاقتصاد التركي أكثر” ولفت في حديثه إلى أنه رغم وجود تركيا كعضوٍ في الناتو، لكن بعدها عن الانضمام للدول التي فرضت العقوبات على روسيا أبقاها على التبادلات التجارية مع روسيا.
الدور التركي في الملفات العالقة:
تثير العلاقة الروسية التركية قلقَ وتساؤلات العالم الغربي، حسب آراء دبلوماسيين وسياسيين غربيين، إذ أنهم يروون أنه على الرغم من أن الطرفين على “طرفي نقيض في مناطق الصراع” بدول عدة لكن العلاقة بينهما تطورت في مجالات عدة مثل الطاقة والدفاع والسياحة والتجارة.
ويرى “بوش” أن إردوغان لن ينجح بوساطته في الملف الأوكراني، قائلاً.. “لدى روسيا شروط تتعلق بالأمن القومي الروسي، وإردوغان لا يستطيع تأمين هذه الشروط ولا تقديم ضمانات من قبل الغرب، وسيتوقف الأمر كونه طرحاً واقتراحات لن تجدي نفعاً” مؤكداً أن تركيا ضمنياً تقف إلى جانب أوكرانيا وتسلح الأوكرانيين وهو ما يجعل روسيا غير واثقة بأنقرة ودورها.
صفقة الحبوب:
ويشير أستاذ جامعة العلوم الإنسانية إلى أهداف أنقرة من تمديد صفقة الحبوب، كونها مستفيدة مباشرة من الصفقة، بحكم أن السفن المحملة بالحبوب تمر من خلال المضائق التي تشرف عليها تركيا وهذا يعني حصولها على الأموال، مضيفاً.. “عدا عن ذلك يمكن لتركيا أن تشتري هذه الحبوب وتصدرها بنفسها للدول المحتاجة”.
وبحسب وجهة نظر “بوش”، فإن الصفقة المبرمة في صيف 2022 قد ماتت ولا يمكن إحياؤها، وما لم يتوصل الطرفان لإبرام اتفاقية جديدة تختلف عن سابقتها، لن تنجح وساطة أوكرانيا، وروسيا لن تتنازل عن مطالبها وخاصة تأمين البواخر الروسية التي تنقل القمح وربط البنك الزراعي الروسي بنظام سويفت العالمي، وهما أهم مطلبين لموسكو.
الملف السوري حاضر في المباحثات:
أكد أستاذ العلوم السياسية أيضاً أن الملف السوري حاضرٌ في المباحثات، لكنه يرى أن موضوع اللقاء بين الرئيس الأسد وإردوغان محسوم بشكل نهائي، ولا يمكن أن يكون هناك وسيط ما لم يكون هناك تراجع تركي وتحقيق لمطالب الرئيس الأسد، مضيفاً “أعتقد أن بوتين سينقل رسالة الرئيس الأسد ذاتها، والحديث عن الإرهاب حتمي فالجماعات الإرهابية التي ترعاها أنقرة وتعتدي على مواقع الجيش العربي السوري، هي تعتدي على القوات الروسية أيضاً”.
وفي رأي مماثل، أكد رئيس الهيئة التأسيسية للمجلس الوطني الأعلى لأرمينيا الغربية “كارنيك ساركسيان” في تصريح خاص لـ “داما بوست” أنه لا يتوقع أي تطور في موضوع تطبيع العلاقات بين سورية وتركيا لغياب ما يذلل العقبات الكبيرة التي تحول دون تحقيق ذلك، رابطاً الأمر بأن التطورات الحاصلة في أفريقيا والتي تهدد الأمنين الاقتصادي والسياسي في المنظومة الغربية إجمالاً والأوروبية خصوصاً، والمتزامنة مع توسيع منظومة ما ينعكس إيجاباً لصالح سورية.
ويرى “ساركسيان” أن هذه الأسباب تستوجب على تركيا دفع أثمان مؤلمة للحصول على التطبيع مع سورية، الأمر الذي لا هي تستطيع تحمل نتائجه من جهة ولا ستسمح لها المنظومة الغربية للذهاب بعيداً في هذا المنحى من جهة أخرى، سيما أن المرحلة المقبلة صعبة على تركيا قائلاً.. “إن إعلان أوروبا عن توسيع الاتحاد الأوروبي كخطوة دفاعية وقائية أمام توسع البريكس وخسارة مواقع أفريقية حيوية بالنسبة لها، ومن المؤكد ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي سيكون ورقة، تصعّب الموقف التركي ومدى إمكانيته في الاستمرار على الحبال بين روسيا والغرب.
العلاقة التركية الروسية:
ويرى “ساركسيان” أن الهدف الوحيد الذي يهم الأتراك يكمن في ضمان حجز مقعد لهم في النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب الآخذ بالتبلور، مشيراً إلى أن تجاهل رغبة تركيا في الانضمام إلى منظومة “بريكس” من قبل روسيا والصين يقلقها لجملة من الأسباب، وبالتالي فهي ستسعى لاستعادة “ثقة” الروس بأي ثمن، مضيفاً.. “بالرغم من محاولات أنقرة المستمرة للتمايز عن أسيادها في المعسكر الليبرالي ليس بإمكانها تلبية الشروط الروسية، لا في قضية عودة روسيا لاتفاقية تجارة الحبوب ولا في غيرها من الملفات، وفي النهاية، فإن الصراع الوجودي بين معسكري “نظام أحادي القطب” و “نظام متعدد الأقطاب” أعمق وأكبر بكثير من هواجس تركيا.