تحولت زيارة طبيب الأسنان في الآونة الأخيرة إلى كابوس يرافق كثيرين، مع خوفهم من ألم مفاجئ قد يؤدي إلى وقوعهم بين خيارين لا ثالث لهما، إما زيارة الطبيب والعلاج أو أن يصبر على تلك الآلام مع شراء بعض المسكنات المؤقتة، ليرى المريض نفسه بعد فترة من الزمن بمشكلة تكلف بأسوأ حالاتها راتباً كاملاً بعد الزيادة.
وكنتيجة مباشرة لارتفاع تكاليف العلاج، تراجع اهتمام نسبة كبيرة من السكان بالصحة الفموية الأمر الذي زاد الحال سوءاً، ومع كل يوم تأخير يزداد العبء أضعافاً في ظل الفروقات في الأسعار وعدم ثباتها تقريباً، حتى صار ألم اليوم أرخص من ألم الغد.
وتحدثت “جنى. ص” وهي طالبة في جامعة دمشق لـ “داما بوست”.. “لدي جسر قديم في الجهة اليسارية من الفك السفلي وأصبح بحاجة لتغيير، إضافة لوجود جسر بالطرف اليميني يسمى بالجسر المجنح، ولأنه قديم فهو غير ثابت بسبب تسكير اللثة وتهالك الأسنان الموجودة تحته، ناهيك عن النخور الزائدة إضافة إلى احتمالية وجود تراجع باللثة، وهذا الشيء يحدده الطبيب، طبعاً إذا استطعت الذهاب إليه في ظل الارتفاع الكبير في سعر المعالجة، وصراحة لم أعد أستطع مضغ الطعام، ودائماً أتجه إلى الأطعمة الطرية لأخفف الألم”.
طبيب الأسنان “البيان سلوم” تحدث عن التكاليف الحالية لمعالجة الأسنان لـ “داما بوست” موضحاً أن عمليات القلع تتراوح بين البسيطة والجراحية وتكلف بشكل وسطي بين 50 و300 ألف ليرة، وفي بعض الأحيان تزيد عن ذلك حسب الحالة الموجودة، وفيما يخص الحشوات الضوئية فهي تتراوح بين 50 و150 ألف ليرة، وسحب العصب بين 150 و250 ألف ليرة وفي بعض المناطق وصل إلى 800 ألف ليرة سورية حسب المكان، وأما بالنسبة لتلبيس الأسنان فيتراوح بين 250 ومليون ليرة وأكثر حسب النوعية والمكان أيضاً.
وأكد “سلوم” أن المرضى لا يزورون العيادة إلا في الحالات المستعصية والمتطورة جداً ولو أنهم قدموا في بداية المشكلة لكان العلاج أسهل وتكاليفه أقل، ومن الأساس ثقافة الاهتمام بالصحة الفموية ضعيفة جداً في مجتمعنا، وهنا تكمن المشكلة أما ما تبقى فهو نتاج هذه الأفكار.
ومن جانبه أوضح طبيب الأسنان “حسين درويش” لـ “داما بوست”.. “بالنسبة لنا نحن الأطباء فإن المواد لدينا جميعها مستوردة وبالتالي يتم معاملتنا على سعر الصرف وليس بالليرة السورية، والسعر يزداد كل يومين تقريباً وغير مستقرة، والمواد نشتريها من مستلزمات أطباء الأسنان، وسعر المعالجة يتم تحديدها من قبل الطبيب نفسه، والنقابة لم تحدد شيئاً أبداً، ويتم تحديد سعر سحب العصب مثلاً على حسب المواد الداخلة من ارتداء الكف وحتى الحشوة النهائية للضرس، مرورا بالمياه والكمامة والمحارم وفواتير المياه والكهرباء وغيرها”.
وأوضح “درويش”.. “أنه لا يوجد سحب عصب أقل من 250 ألف، والحشوة الضوئية بأسوأ حالاتها 100 ألف ليرة، ولا يوجد بديل عن سحب العصب والحل الوحيد هو البحث عن طبيب لديه تجهيزات أقل ومواد متوسطة وبالتالي أقل كلفة، والأطباء لا تغامر وتشتري مواد رديئة أو ضعيفة الفعالية”.
وهذه الأرقام قد تبدو عادية مقابل الأسعار التي تتقاضها مراكز التجميل أو المراكز المتخصصة في العاصمة دمشق، حيث بلغت تكلفة تركيب حشوة ضوئية 350 ألفاً، بينما سحب العصب فيتم حسابه على عدد الأقنية الموجودة للضرس أو السن، فإذا كان له قناتين فيكلف بالمركز 700 ألف ليرة، أما القلع وصلت كلفته بين 300 و600 ألف ليرة، هذه فقط للمعالجة الضرورية ولم نتحدث عن الكماليات “التجميل”.
ووصل سحب العصب بشكل وسطي في مركز آخر إلى 250 أو 350 ألفاً فيما إذا كان من الأسنان الأمامية، و500 ألف فيما إذا كان من الأضراس الخلفية، بحسب تأكيد أحد الأطباء العاملين فيه، مشيراً إلى أنقلع السن البسيط تصل تكلفته حوالي 100 ألف، وإذا كان جراحي فتكلفته 250 ألف، والحشوات الضوئية نوعية ممتازة بـ 175 ألف ليرة، وأما التلبيسة فتتراوح بين 200 ألف و900 ألف حسب النوعية المستعملة، علماً أن قبل الحرب كانت التلبيسة بـ 2000 ليرة اي يقابلها ب سعر الصرف 40 دولار، واليوم بلغ سعر التلبيسة 200 ألف أي ما يقابلها 18 دولاراً، وبالمقارنة بين هذه الأسعار نجد أنها أقل من قيمتها بـ 50 %، لكن المشكلة تكمن في ضعف الدخل وعدم قدرته على مجاراة التكاليف.
وبالنسبة للبدائل فلا يوجد للمواطن سوى الإكثار من المسكنات من الصيدليات وهذه الأدوية أغلبها لا تحتاج إلى وصفة طبية لصرفها وبحسب تأكيد الصيدلاني “ضياء حبيب” لـ “داما بوست”.. فإن الطلب على المسكنات ازداد كثيراً من قبل المرضى، ويكاد لا يمر يوم إلا ويوجد فيه عدة حالات، ويرجح ذلك لزيادة أجور المعالجة موضحاً أن أسعار أدوية الالتهاب تتراوح بين 10 آلاف و25 ألف ليرة، بينما وصل سعر المسكنات ومضادات الوذمة بحدود 8000 ليرة لكل علبة.
وبناءً على الأسعار آنفة ذكر، يقول كثيرون إن ذعرهم من طبيب الأسنان صار مضاعفاً، فناهيك عن الآلام التي يكابدها المرضى في حالات عدة، صار الحساب في نهاية العلاج أشد وجعاً، طالما أن الدخول في معظمها لا تكفي للمعيشية اليومية، ومن مآسي ما وصل إليه الحال في سورية، أن فقد كثيرون قدرتهم في ممارسة حقهم الإنساني الطبيعي بالحصول على العلاج المناسب.