من وراء الستار: هل أسعد الشيباني هو الحاكم الفعلي لسوريا؟
بعد سقوط نظام الأسد، تتوجه الأنظار نحو الوجوه الجديدة التي تتولى زمام الحكم، من بين هذه الشخصيات، يبرز اسم أسعد الشيباني، الذي عُيّن كأول وزير خارجية في الحكومة المؤقتة في 1 ديسمبر 2024.
ولكن وفقاً لوسائل إعلامية، فإن دوره يتجاوز منصبه الرسمي بكثير، حيث يُنظر إليه على أنه يمتلك الإدارة السياسية الفعلية للبلاد ويعتبر “الحاكم الخفي لسوريا”.
فمن هو هذا الرجل الذي صعد بسرعة إلى واجهة المشهد السياسي، وما هي العوامل التي جعلت منه الشخصية الأكثر نفوذاً؟
اقرأ أيضاً: لجنة الظل.. سوريا تعيد تشكيل اقتصادها سراً وشقيق الشرع يتولى المسؤولية
تكشف السيرة الذاتية للشيباني عن مسيرة حافلة بالتحولات. فقبل أن يُعرف باسمه الحقيقي، استخدم عدة أسماء مستعارة مثل “أبو عائشة” و”أبو عمار الشامي” و”حسام الشافعي” و”زيد العطار”، مما يعكس مراحل مختلفة من عمله في منظمات متعددة.
تظهر مسيرته السياسية صعوداً لافتاً، حيث بدأ كعضو مؤسس في جبهة النصرة، ثم متحدثاً باسم جبهة فتح الشام، قبل أن يتولى رئاسة إدارات الشؤون السياسية والعلاقات الخارجية لهيئة تحرير الشام، هذا التدرج جعله شخصية محورية في المشهد السوري.
علاقة محورية مع تركيا
وتتصدر علاقة الشيباني بتركيا المشهد كأحد أبرز مصادر قوته. فهو ينحدر من محافظة الحسكة المحاذية للحدود التركية، مما يمنحه فهماً عميقاً للمنطقة. كما أن حصوله على درجتي الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الخارجية من جامعة صباح الدين زعيم في تركيا، وإتقانه للغة التركية، يؤسس لعلاقة متجذرة ومتينة.
قبل سنوات من تعيينه وزيراً للخارجية، كان الشيباني شخصية محورية في إدارة العلاقات الخارجية لـ “هيئة تحرير الشام” (HTS). وخلال هذه الفترة، كان يُعتمد عليه في إدارة ملفات خارجية حساسة، مثل ملف المقاتلين الأجانب، كما قام بالتفاوض مع وفود فرنسية بخصوص مقاتلين من أصول فرنسية في إدلب. كانت هذه اللقاءات تتم غالباً قرب معبر “باب الهوى” على الحدود السورية التركية، ما يشير إلى أن تركيا كانت نقطة عبور وتنسيق أساسية لدوره. لقد شكّل الشيباني على مدار سنوات جسراً موثوقاً به في التواصل وصياغة الاستراتيجيات مع الحليف التركي، وهي ركيزة أساسية لنفوذه المتزايد الذي يتوج اليوم بلقاءاته رفيعة المستوى مع المسؤولين الأتراك.
صلاحيات جديدة في وزارة الخارجية
في خطوة تُفسّر على أنها تعزيز لنفوذه، أحدثت وزارة الخارجية والمغتربين التي يرأسها الشيباني في شهر آذار الماضب، قسماً جديداً تحت مسمى “الأمانة العامة للشؤون السياسية”.
وتتولى هذه الأمانة، وفقاً للقرار الصادر عن الوزارة، الإشراف على النشاطات والفعاليات السياسية داخل سوريا وتنظيمها.
والأمر الأكثر أهمية هو أن الأمانة قد تعمل على إعادة توظيف أصول حزب البعث العربي الاشتراكي وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية المنحلة، وهو ما قد يمنح الوزارة سيطرة واسعة على مفاصل الحياة السياسية والموارد الداخلية للدولة، ويساهم في تعزيز صلاحيات الشيباني كشخصية محورية في الإدارة الجديدة.
سمات أساسية في شخصية أسعد الشيباني
البراغماتية المطلقة: العنصر الأكثر بروزاً في شخصية الشيباني هو قدرته على التكيّف، فقد أثبت مراراً أن الأهداف العملية تتفوّق على الالتزام الأيديولوجي الصارم.
انتقل من خطاب القاعدة العالمي إلى خطاب “فتح الشام” السوري، ثم إلى خطاب بناء الدولة في “هيئة تحرير الشام”، وصولاً إلى الخطاب الدبلوماسي كوزير للخارجية.
هذه القدرة على المرونة التكيفية هي جزء أساسي من طريقة تفكيره، وهي السمة التي يشاركها مع حليفه الأبرز، الرئيس الانتقالي أحمد الشرع.
التخطيط الاستراتيجي: لا تبدو مسيرته عفوية أو وليدة الصدفة، فقراره بمتابعة الدراسات العليا في العلوم السياسية وإدارة الأعمال، حتى وهو يدير وزارة الخارجية في إدلب، يكشف عن رجل يخطط للمستقبل ويدرك أن أدوات القوة تتغير، هو لا يفكر في معركة اليوم فقط، بل بدوره بعد عشر سنوات.
شراكة مع الرئيس الانتقالي أحمد الشرع: علاقته بأحمد الشرع تمثّل المحور الذي تدور حوله مسيرته. هذه العلاقة، التي بدأت منذ تأسيس “النصرة” واستمرت دون انقطاع، مبنية على الشراكة في المشروع. الشيباني ليس مجرد تابع، بل هو شريك في التفكير وصياغة الاستراتيجيات.
استخدام الأسماء الحركية: لم يكن استخدامه للأسماء الحركية المتعددة مجرد ضرورة أمنية، بل كان أيضاً انعكاساً لقدرته على تغيير شخصيته العامة لتناسب متطلبات كل مرحلة.
فـ “أبو عائشة” كان جهادياً، و”حسام الشافعي” كان متحدثاً ثورياً، و”زيد العطار” كان دبلوماسياً، و”أسعد الشيباني” هو “رجل الدولة”. هذه القدرة على التكيف تجعله شخصية غامضة ومراوغة، يصعب تحديد قناعاتها النهائية.
هدوء الأعصاب: في جميع إطلالاته العلنية، يظهر الشيباني هادئاً ومتماسكاً، حتى عند مواجهة أسئلة محرجة حول ماضيه، هذه السيطرة على الانفعالات هي سمة أساسية للدبلوماسي الناجح، وقد صقلتها سنوات من العمل تحت ضغوط أمنية وسياسية.
هذه السمات مجتمعة تجعل من أسعد الشيباني شخصية سياسية معقدة وقوية، هو ليس مجرد واجهة، بل لاعب حقيقي يملك رؤية وأدوات لتنفيذها، وهو ما يجعله محور النقاش حول من يمسك بزمام الأمور في سوريا بالفعل.
اقرأ أيضاً: وزير الخارجية السوري يلتقي مسؤولاً إسرائيلياً في باريس برعاية أمريكية.. وإليكم أبرز بنود الاتفاق
اقرأ أيضاً:الشرع بين الوحدة والتقسيم .. تناقض الخطاب والأداء السياسي