أزمة السكن تلاحق العائدين إلى سوريا: الغلاء يهدد “حلم العودة”
مع عودة عشرات الآلاف من السوريين إلى بلادهم بعد سقوط النظام السابق، يواجه الكثيرون منهم واقعًا اقتصاديًا صعبًا، تبرز فيه أزمة السكن وارتفاع الإيجارات، خاصة في المدن الكبرى.
ترحيب مُكلف: الغلاء يتبدد نشوة العودة
منذ ديسمبر/كانون الأول 2024، تدفق آلاف السوريين إلى مدنهم وقراهم قادمين من دول الجوار ومنافي اللجوء. لكن هذه العودة اصطدمت سريعًا بعقبة توفير المأوى، في ظل محدودية المعروض العقاري وارتفاع الطلب، مما أدى إلى صعود حاد في الإيجارات تجاوز قدرات معظم العائدين.
يصف أسامة المصطفى، العائد من عفرين، تجربته قائلاً: “كنت أعيش حلم العودة إلى دمشق. عندما حصلت على فرصة عمل في مشفى، فوجئت بأن راتبي لا يغطي ربع إيجار منزل بسيط. لم أتمكن من الاستقرار واضطررت لتأجيل العودة مجددًا.”
شروط تعجيزية وضغوط على المستأجرين
اشتكى العديد من العائدين من شروط إيجار “تعجيزية”، مثل طلب دفع الإيجار مقدمًا لأربعة أشهر أو أكثر، وأحيانًا لسنة كاملة. هذه المعاناة لم تقتصر على العائدين الجدد، بل طالت المستأجرين القدامى الذين وجدوا أنفسهم تحت ضغط متزايد من بعض المالكين لرفع الإيجار أو إخلاء المنازل.
“أبو محمد”، أحد سكان إدلب، ذكر لشبكة شام: “المالك يطالبني بزيادة الإيجار رغم دخلي المحدود. عندما رفضت، هددني بإخلاء المنزل بذريعة أنه يحتاجه لأغراض شخصية. هذه المبررات نعرفها جيدًا ونسمعها منذ سنوات الحرب.”
تداعيات اجتماعية: تقاسم المنازل أو نزوح داخلي
دفعت أزمة الإيجار بعض الأسر إلى البحث عن سكن في أطراف المدن أو الأرياف، ما يعني غالبًا التنازل عن البنية التحتية والخدمات الأساسية. واضطرت عائلات أخرى إلى تقاسم السكن مع أقارب أو أصدقاء لتخفيف العبء المالي.
تقول أم عمر، التي عادت من لبنان مؤخرًا: “الصورة التي كنت أحتفظ بها عن وطني تغيرت. الأسعار مرتفعة جدًا، والوضع المعيشي أصعب مما توقعت. أحيانًا أشعر بالندم لأني عدت.”
دعوات لتنظيم السوق وتوسيع مشاريع الإسكان
لمواجهة هذه التحديات، طالب العائدون بضرورة إقرار تشريعات جديدة تضع سقوفًا عادلة للإيجارات وتنظم العلاقة بين المالك والمستأجر. كما دعوا إلى إطلاق برامج إسكان تشاركية تشمل الحكومة والمنظمات الدولية والمجتمع المدني.
من جانبهم، دعا مراقبون إلى تضمين ملف الإسكان في خطة الاستقرار الوطني، من خلال توسيع رقعة المشاريع السكنية، وترميم الأبنية المدمرة، وتسهيل الحصول على التمويل، ضمن بيئة قانونية شفافة ومستقرة.
تعد أزمة السكن اليوم ليست مجرد أزمة عرض وطلب، بل هي اختبار لقدرة الدولة والمجتمع على استقبال العائدين بما يليق بحقهم في وطن آمن ومستقر. ما لم تتوفر الإرادة السياسية والاقتصادية الحقيقية لمعالجة هذا الملف، فإن “العودة” ستبقى حلمًا مؤجلاً، وسيظل الوطن في نظر الكثيرين محطة مؤقتة لا ملاذًا دائمًا.
إقرأ ايضاً: حلب .. عائلات “السكن الشبابي” ممنوعة من العودة بعد أكثر من عقد من النزوح القسري