داما بوست | حسن عيسى
يسير محصول الشوندر السّكري في طريق باقي المزروعات الاستراتيجية في سوريا، التي تراجع إنتاجها المحلي تراجعاً كبيراً، كالقمح والقطن، وهو محصولٌ استراتيجي ووحيد لصناعة السّكر في سوريا، وكان يُغطّي نحو 20% من حاجة البلاد من السّكر، بحسب إحصائيات مركز البحوث الزّراعية، لكن زراعته ما زالت تُعاني من صُعوباتٍ كثيرة في السّنوات الماضية، كسرقة مضخّات المياه وشبكات الرّي، ونزوح الفلّاحين، وعدم توفر مُستلزمات الإنتاج، وارتفاع تكاليف الإنتاج والنّقل، وانخفاض تسعيرة الشوندر المُستلم من المزارعين.
وأدّت هذه العوامل إلى انخفاضٍ كبير في كميّة المساحات المزروعة بالشوندر في المواسم الأخيرة، حتى إنه لم يُزرع في بعض المناطق لمدّة عام تقريباً، كما أنها أدّت إلى تدهور جودة المحصول وانخفاض نسبة السكروز فيه، فأصبحت شركة سكر “تل سلحب” تعمل لشراء المحاصيل المتوفرة من المزارعين وتحويلها إلى أعلاف للحيوانات، في ظل حاجة البلاد الشديدة إلى الإنتاج المحلي من السكر، والتقليل من مشاق الاستيراد.
الفلاحون يطالبون بالتمويل
تعديل تسعيرة الشراء وتمويل المحصول بآلية التسليف لتأمين كامل مُستلزمات إنتاجه، وتأمين مُستلزمات الزراعة بأقل من سعر السوق، كانت تلك مُطالبات مُتكررة على مدار سنوات، من المُزارعين وخبراء الاقتصاد، للنُهوض مُجدّداً بواقع صناعة السكر في البلاد، فضلاً عن دعوات من اقتصاديين لإقامة خط لتكرير السكر في شركة سكر سلحب، وتوحيد الجهة المُشرفة على المحصول.
مُدير عام شركة سكر “تل سلحب “مدين العلي” أوضح لـ “داما بوست” أن اللجنة الاقتصادية أصدرت قراراً بتوقيف الشركة عن العمل لانخفاض كميات الشوندر السكري المزروعة، والتي لا تتناسب مع قدرة المعمل الاقتصادية للإنتاج، مبيناً أن آخر البيانات تشير إلى أن كميات الاستلام المتوقعة بلغت 36 ألف طن في ظل الحاجة إلى نحو 150 ألف طن ليستطيع المعمل أن يدير عجلة إنتاجه، وقال: “جهّزنا مشاريع استثمارية وعالجنا المشاكل الفنية وكنا جاهزين للإطلاق، لكننا توقفنا لقلة الكميات المزروعة”.
وذكر “العلي” أن الفلاحين يشكون تدني مستوى الدعم الحكومي، مشيراً إلى أنهم لم يتسلموا لا سماد ولا محروقات، ناهيك عن انخفاض سعر التسلم منهم، البالغ 400 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد، لافتاً إلى أن الشركة تتكفل بتأمين البذار واستلام المحصول في نهاية الموسم من المزارعين، وأنها في هذا العام ستتسلّم الكميات المزروعة قبل أن تحوّلها إلى أعلاف وتعيد بيعها للمربين، بسبب توقف المعمل عن العمل.
وأشار “العلي” إلى عدم وجود إقبال من المزارعين على زراعة الشوندر في الموسم القادم، في ظل وجود نحو 5800 طن بذار لدى الشركة لم يتقدم أي أحد من المزارعين ليتسلم منها أي كمية، لافتاً إلى أن نسبة الزراعة ستكون معدومة نظراً لأنه لم يتم التعاقد مع أي من المزارعين في الوقت الذي فتحت فيه الشركة باب التعاقد مع بداية هذا العام.
معاناة الإنتاج
وتعاني سوريا من أزمة حادة في إنتاج الشوندر السكري، وهو المصدر الرئيس للسكر الأبيض في البلاد. فقد انخفض إنتاج هذه المحصول الزراعي دراماتيكياً في السنوات الماضية، حتى وصل إلى 12 ألف طن فقط عام 2017، بعد أن كان 1.4 مليون طن عام 2011، بحسب وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي.
وتشير هذه الإحصائيات إلى أن سوريا تغطي حالياً أقل من 2% من احتياجاتها من السكر، التي تبلغ 709 آلاف طن سنوياً، أو 35 كيلوغراماً للفرد الواحد، بحسب تقارير حكومية، وبالتالي، تضطر الدولة إلى استيراد كميات كبيرة من السكر بأسعار عالمية مرتفعة، وهذا يثقل كاهل الموازنة ويستنزف العملة الصعبة، ففي عام 2007 دفعت سوريا 180 مليون دولار لشراء السكر، وهذا الرقم قد يكون أكبر بكثير في ظل ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين والضرائب في الوقت الحالي.
ويعد الشوندر السكري من المحاصيل الزراعية المهمة للاقتصاد، لأنه يوفّر فرص عمل لآلاف العمال في قطاعات الزراعة والصناعة، فالهكتار الواحد من الشوندر يحتاج إلى 122 ساعة عمل، ويمكن أن ينتج 5 أطنان من السكر، بالإضافة إلى 1.5 طن من الأوراق الجافة التي تستخدم أعلافاً للحيوانات، و30 طناً من مخلفات التصنيع التي تستخدم وقوداً حيوياً، كما أن زراعته تساهم في تحسين خصوبة التربة وتقليل التآكل والتصحر.