داما بوست – أديب رضوان
لم يكن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في الهجوم على قاعدة أمريكية شمال الأردن الأسبوع الماضي، حدثاً عابراً، بل كان مفصلاً مهماً في تطورات الأوضاع في المنطقة عموماً، الأمر الذي قد يقلب الطاولة على الوجود الأمريكي فيها وهو الأمر الذي بدأ يتفاعل كثيراً داخلياً وخارجياً.
ورغم أن الإعلان الأمريكي هو الأول عن وقوع قتلى في صفوف الجيش الأمريكي، مع تصاعد عمليات المقاومة الشعبية في سورية والعراق، إلا أن المصادر الميدانية تؤكد وجود قتلى آخرين في صفوف الجيش الأمريكي طيلة عمليات المقاومة خلال الشهرين الماضيين ضد تلك القواعد، وأن واشنطن تخفي عدد قتلاها الحقيقيين عن الرأي العام الأمريكي الذي بات يضغط على إدارة البيت الأبيض لسحب قواته سواء من سورية أو العراق.
تطورات الأوضاع في المنطقة والهجوم الأخير وضع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في وضع لا تحسد عليه، فقد وجدت نفسها أمام “فكي كماشة”، ما بين الضغط الشعبي وبعض القيادات الرسمية الأمريكية الداعية لسحب القوات الأمريكية من سورية، وما بين المصالح الضيقة في المنطقة وعلى رأسها كيان الاحتلال التي تستوجب استمرار الحماية الأمريكية لها، وبين عمليات المقاومة المستمرة ليل نهار ضد الوجود الأمريكي في المنطقة.
الرد الأمريكي على مقتل ثلاثة من جنوده تجلى بعدوان سافر على منشآت مدنية وعسكرية وقرى آمنة في سوريا والعراق، ومع دعوات اليمين المتطرف الأمريكي لضرب أهداف داخل الأراضي الإيرانية، جعلت الكثير من السياسيين ينذرون من مخاطر تصعيد الحرب الخطرة في الشرق الأوسط ومن تغيير في “قواعد الاشتباك” فيها، لصالح حرب لا يسلم منها أحد حتى الأمريكيين ذاتهم.
شبكة “سي إن إن” الأمريكية ترى أن تشابك الأحداث الراهنة يضاف إلى واحدة من أكثر اللحظات المشحونة بالمنطقة، منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى في الـ 7 من تشرين الأول الماضي، وتشير الوقائع إلى أن الإدارة الأمريكية تدرس في الوقت الراهن الخيارات التي يمكن أن تشكل تحولاً كبيراَ في الوضع، في ظل وجود الآلاف من الجنود ومستقبل المنطقة في الميزان.
ويواجه الرئيس بايدن أموراً معقدة داخلياً وخارجياً، ومع العدوان الأمريكي الأخير على السيادتين السورية والعراقية، برزت تحذيرات أخرى أكبر من خطورة الوضع في المنطقة عموماً، ما ينذر بتفجير الأوضاع واشتباكات ميدانية وسياسية فيها، قد لا تحمد عقباها.
بعض السياسيين الدوليين وضعوا الرد الأمريكي في خانة تسجيل النقاط في سجل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، فالرئيس بايدن يدخل معترك هذه الانتخابات مهزوز الحصيلة السياسية والميدانية، ويواجه معركة انتخابية صعبة، أمام منافسة دونالد ترامب.
كثير من وسائل الإعلام الدولية حذرت من انجرار المنطقة إلى قواعد اشتباك جديدة، بين الأطراف جميعاً، فسوريا وإيران والعراق واليمن ومحور المقاومة برمته، لن يصمت أمام الاعتداءات الأمريكية والإسرائيلية على سيادة دول المحور، الأمر الذي قاد المنطقة إلى حرب مفتوحة تؤثر على الاستقرار الدولي، بفعل العنجهية الأمريكية واستمرار استخدامها سياسية العصا الطولية التي باتت قاب قوسين أو أدنى من أن تكسر على يد المقاومة التي بدأت بالفعل رسم سياسات جديدة لقواعد الاشتباك بالمنطقة، إذ لم تعد لواشنطن اليد الطولى فيها.
ورغم ضغط صقور البيت الأبيض على إدارة بايدن بالتوجه نحو التصعيد بالمنطقة، إلا أن تياراً أمريكياً آخر ينبه من خطورة هذه السياسة على حياة الجنود الأمريكيين فيها، ويعمل على منع انتشار الصراع، ورغبة في عدم التورط بشكل مباشر في حرب إقليمية ضد إيران أو محور المقاومة أو تغيير في قواعد الاشتباك المعمول بها بالمنطقة.
مهما كانت تطورات الوضع في الأيام القليلة المقبلة، فإن العدوان على سوريا والعراق، جعل الوضع محفوفا بالمخاطر سياسياً وأمنياً وعلى واشنطن وحليفتها “إٍسرائيل” تحمل التبعات، الأمر الذي سيجعل الوجود الأمريكي غير الشرعي بالمنطقة على المحك، وربما يعرض القوات الأمريكية لمزيد من الهجمات المميتة.
مسؤولون أمريكيون قالوا إنهم استخدموا قنوات خلفية لإبلاغ إيران ووكلائها بأن الهجمات على القوات الأمريكية يجب أن تتوقف، لكن تلك الجهود يبدو أنها لم تفلح في منعها، ولطالما خشيت الإدارة الأمريكية من أن يؤدي ذلك في النهاية إلى سقوط قتلى.
وهنا لا يبدو وضع بايدن السياسي في أفضل حالاته، إذ إن خصومه السياسيين في الداخل الأمريكي يريدون إظهاره بمظهر الرئيس الضعيف، فيما الوضع في الشرق الأوسط يتدهور، وتبدو واشنطن عاجزة عن إنقاذ ربيبتها “إسرائيل” مما ورطت نفسها به في حرب لا طائل منها في غزة ، كما تبدو عاجزة عن إنقاذ نفسها من مستنقع الشرق الأوسط، حيث تتعرض القواعد الأمريكية يومياً لهجمات متتالية من المقاومة العراقية ، ولا يبدو أنها ستتوقف و خصوصاً بعد العدوان الأمريكي على سورية والعراق الذي فتح الباب على مصراعيه تجاه استهداف واسع لقواعد الاحتلال.
بعض العقلاء داخل الإدارة الأمريكية يعتبرون أن مقتل الجنود الأمريكيين الثلاثة يجب أن يكون بوابة للانسحاب الأمريكي من سوريا والعراق، وليس دافعاً لمزيد من التوتر في المنطقة، بالنظر لعدم وجود أهداف أمريكية قابلة للتحقيق هناك، وبالتالي لا بد من البدء بعملية العد العكسي لمرحلة انسحاب القوات الأمريكية، وهذا ما تؤكده مراكز الأبحاث الأمريكية، أن مرحلة إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة بدأت قاطرته بالتحرك.