داما بوست – خاص
خلال الأيام الماضية شهد مخيم الهول الواقع بريف الحسكة الشرقي عملية تمشيط من قبل “قسد”، بحجة البحث عن الأسلحة والذخائر التي تستخدمها خلايا تنظيم “داعش” المفترض نشاطها داخل المخيم، وتسبب إطلاق نار عشوائي من قبل عناصر “قسد”، في الجناح المخصص لإقامة الأجانب بمقتل سيدة من الجنسية الصينية، وإصابة أخريات بعضهن ما زال في حالة حرجة بسبب عدم تقديم العلاج لهن، ومنع دخول فرق المنظمات النشطة في المخيم من الدخول إلى الجناح المذكور، ما يرجح احتمال ارتفاع عدد القتلى خلال العملية التي تقول قسد بأنها نجحت.
المخيم الذي زاد عدد سكانه من 13 ألف قبل اتفاق إخلاء بلدة “باغوز فوقاني”، في آذار من العام 2019 إلى ما يقارب 71 ألف بعده، ثم تناقص العدد تدريجياً بفعل استعادة بعض الدول على رأسها العراق لرعاياها، ونقل “قسد” 5500 أجنبي نحو مخيم “تل أسود”، المعروف إعلامياً، بـ “مخيم روج آفا”، وبعدما توقفت حركة خروج السوريين منذ ما يزيد عن العام تقريبا وقف التعداد العام لقاطني مخيم الهول عند ما يقارب 50 ألف، يشكل العراقيون أكثر من نصفهم، وهو يشهد حال من الاستقرار الأمني منذ ما يزيد عن العام، إذ توقفت جرائم القتل بشكل مفاجئ في المخيم، وبات نشاط “جهاز الحسبة”، التابع للتنظيم ينشط بدون عمليات عنف علنية مكتفياً بالاعتداء بالضرب على مخالفي تعليماته، ويمكن القول أن نشاط هذا الجهاز الذي يعد بمثابة “الشرطة الدينية”، في هيكلية تنظيم “داعش” بات محصوراً في جناح الأجنبيات، وبرغم أن هذا لا يعني أن خطر “داعش” انتهى داخل المخيم، فإن الحديث عن احتمال شن هجمات ضخمة من داخل المخيم أو من خارجه أمر شبه مستحيل حالياً.
تحصل الأسر المرتبطة بالتنظيم المتطرف على تمويل خارجي من خلال الحوالات المالية التي تسلم بـ “الدولار الأمريكي”، من قبل شركات التحويل المالي التي تنشط بداخل المخيم بترخيص من “قسد”، ودون أي رقابة من قبل الأخيرة بوصفها سلطة الأمر الواقع في المخيم، إذ يتراوح معدل ما تحصل عليه العائلة الواحدة ما بين 400-600 دولار أمريكي شهرياً، من مصادر يتم التعريف عنها على إنهم أقارب مقيمين في الخارج، ويمكن وصف الحركة التجارية داخل مخيم الهول بالنشطة جداً، ولا يحتاج الأجانب والمرتبطين بتنظيم “داعش” من السوريين والعراقيين أي دعم عبر المساعدات، على الرغم من إن “مخيم الهول”، يحظى بما نسبته 80 بالمئة من حجم المساعدات التي تدخلها المنظمات الأممية والمنظمات العابرة للحدود بطريقة غير شرعية إلى محافظة الحسكة، وهذه المعلومة وفقاً لمصدر قريب من المنظمات فضل عدم الكشف عن هويته.
الجزء الأكبر من الأموال التي تحصل عليها العوائل المرتبطة بتنظيم “داعش” يستخدم لتمويل محاولات الهروب من مخيم الهول، فيما يتم شراء أسلحة وذخائر ومواد حارقة ومتفجرة عبر حرس المخيم التابعين لـ “قسد” نفسها، والأخيرة كانت قد اعتقلت عدداً من قياداتها الذين كانوا مكلفين بمهام آنية في مخيم الهول قبل أشهر، بعد العثور على أسلحة وذخائر أفضت التحقيقات إلى كشف مصدرها، وبالتالي فإن “قسد”، تدرك تماماً أن الحالة الأمنية لـ “مخيم الهول” مرتبطة بمدى جديتها في منع عناصرها من تهريب الأسلحة إلى داخله، والأمر ينطبق أيضا على عمليات الفرار من المخيم، إذ تبدأ أي عملية من أحد احتمالين، الأول التنسيق مع حراس المخيم ومن ثم الفرار عبر الأسوار الغربية أو الجنوبية، أما الاحتمال الثاني فهو التنسيق مع سائقي صهاريج المياه الذين يعدون خزانات سرية لتهريب من يرغب من المخيم، وفي كلا الحالتين يتم التنسيق مع قيادة الحرس في عملية الفرار، وتقول معلومات حصل عليها “داما بوست”، من مصادر داخل مخيم الهول، أن عصابات تهريب البشر التي تنشط في ريف الحسكة الشرقي هي من تقوم بتنسيق عمليات الهروب، إذ يتكفل المهرب بالاتفاق مع الحرس لتسهيل عبور المجموعة الراغبة بالفرار، قبل أن يقوم هو بنقلها غالباً إلى الأراضي العراقية كخطوة ثانية في عملية عودتهم إلى بلدانهم الأصلية بشكل سري، أو فرارهم إلى مكان مجهول.
وتصف مصادر لـ”داما بوست“، العملية الأمنية التي نفذتها “قسد” خلال الأيام الماضية بأنها روتينية ولم تقدم جديداً، سوى الإضرار بسكان المخيم الذين لا تقبل دولهم الأم باستعادتهم خشية من ملفاتهم الأمنية التي تشير إلى ارتباطهم بتنظيم “داعش”، وهذا أخطر ما في مخيم الهول، إذ أن الأطفال الذين نقلوا من “باغوز فوقاني”، قبل خمس سنوات وهم بأعمار صغيرة تتراوح بين 9-12 عاماً، باتت أعمارهم اليوم تتراوح بين 14-17 عاما، وهذا سن التكليف القتالي وفقاً لعقائد تنظيم “داعش”، ما يعني أن الكتلة البشرية التي يحتاجها التنظيم لإعادة إنتاج نفسه باتت متوفرة، وعلى الدول المعنية أن تتحرك لاستعادة مواطنيها لحل المشكلة قبل أن يتمكن التنظيم من ذلك، وهذا الأمر تستفيد منه “قسد”، فهي تتحصل على الدعم السياسي والمادي من قبل الدول المعنية بحجة إنها غير قادرة على قتال.
التنظيم بدون الدعم، كما إنه سيبرر بقاء قوات الاحتلال الأمريكي لفترة أطول بحجة الحفاظ على أمن المنطقة الشرقية من سورية بقتال تنظيم “داعش” ومنع إعادة تشكله، ما يؤكد أن كلا الطرفين (واشنطن – قسد)، لا يمتلكان النية في تفكيك المخيم وهذا ما يدفع “قسد”، لعرقلة خروج العراقيين ومنع خروج السوريين نحو مناطقهم الأصلية، وبالتالي ستستمر الحملات الأمنية ذات الأهداف السياسية إلى أجل غير مسمى داخل “مخيم الهول”.