غياب بنك الدم يعمّق معاناة مرضى القامشلي… رحلة بحث يومية عن جرعة حياة

يواجه مرضى التلاسيميا والسرطان وغيرهم من الحالات الطارئة في مدينة القامشلي معاناة متصاعدة منذ توقف مركز بنك الدم الوحيد في المدينة عن العمل، ما دفع كثيرين إلى البحث عن متبرعين بشكل فردي في الشوارع أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة لتأمين وحدات الدم الضرورية لاستمرار العلاج.

حسن إدريس، البالغ 29 عاماً، يخوض معركته مع التلاسيميا منذ كان في الرابعة من عمره. ويقول لنورث برس إن الوضع ازداد سوءاً خلال الأشهر الأخيرة بعد فقدان المدينة لمركز بنك الدم: “نخرج أحياناً إلى الشوارع ونطلب من الناس التبرع. نحن كمرضى تلاسيميا نحتاج الدم بشكل دائم، وبعضنا يحتاجه أسبوعياً أو كل عشرة أيام، وتأمينه في الوقت المناسب بات مهمة شاقة”.

معاناة مشابهة تعيشها آية علي (15 عاماً)، التي تخضع لعملية تبديل دم كل 25 يوماً. تقول إن مشفى الهلال الأحمر الكردي يوفر بعض المتبرعين، “لكن الكميات لا تكفي، وأحياناً لا يتوفر الدم يوم حاجتي إليه، فنضطر للجوء إلى الناس بشكل مباشر”.

مركز متوقف منذ سقوط النظام

طبيب من المدينة يؤكد أن القامشلي “تفتقر كلياً لبنك دم”، مشدداً على ضرورة إنشاء مركز جديد يلبّي حاجة المرضى في ظل ظروف الحرب والحصار وانتشار الأمراض. ويوضح أن بنك الدم السابق كان تابعاً لوزارة الدفاع السورية ويقع ضمن المربع الأمني، ومع سقوط النظام توقفت خدماته بالكامل.

ويشير الطبيب إلى أهمية إجراء التحاليل الأساسية لأي وحدة دم قبل نقلها للمريض، مثل فحوص الإيدز والالتهاب الكبدي B وC والزهري والملاريا، وهي تحاليل كانت مكلفة وتتطلب تجهيزات خاصة كانت متوفرة ضمن المركز السابق.
عاملٌ عمل سابقاً في المركز يقول إن نحو 70% من مرضى المدينة كانوا يعتمدون عليه قبل توقفه.

نقص الدم يدفع السكان إلى مبادرات بديلة

ديار عبد الرحمن، 21 عاماً، يحتاج إلى تبديل الدم كل 25 يوماً، ويواجه بدوره صعوبات كبيرة في تأمينه. ويقول إن ظروف الحرب والهجمات المتكررة تجعل الوصول إلى متبرعين أمراً معقداً، مضيفاً: “أحياناً لا نجد أي وحدة دم في المشفى، فنلجأ لنشر مناشدات على فيسبوك”.

اليأس المتزايد دفع عدداً من أبناء المدينة إلى إطلاق مبادرات محلية لسد الفجوة. محمد أمين البيك، مع سبعة شبان آخرين، أنشأوا قبل نحو شهر مجموعة على تطبيق واتس آب لتأمين المتبرعين. ويوضح: “أنشأنا المجموعة بسبب النقص الكبير وصعوبة إيجاد زمر دم محددة. وفاة والد أحد أصدقائنا بسبب نقص الصفيحات كانت الدافع الأساسي”.
منذ إطلاق المبادرة، تمكنت المجموعة من تأمين الدم لأكثر من 60 حالة، معظمها لمرضى التلاسيميا والسرطان والحالات الطارئة.

لكن المشكلة لا تقتصر على المتبرعين فقط، فالمعدات الطبية المتوفرة في مشفى الهلال الأحمر الكردي الخاصة بفصل الصفيحات غير كافية، ويقع الجهاز الأكبر في الحسكة، ما يجعل الوصول إليه صعباً في الحالات الحرجة.

جهود إنسانية موازية

في مبادرة داعمة للأطفال، نظم مشفى الهلال الأحمر الكردي مؤخراً معرضاً خيرياً مخصصاً لأطفال التلاسيميا والسرطان، بهدف مساعدتهم على تحويل معاناتهم إلى أعمال فنية.

ومع استمرار غياب بنك الدم، تتسع دائرة المتأثرين لتشمل إلى جانب مرضى التلاسيميا، مرضى السرطان، النساء الحوامل، والحالات الطارئة، ما يجعل إنشاء مركز دم دائم ومجهز بالتحاليل الأساسية ضرورة ملحّة لإنقاذ حياة سكان القامشلي ووضع حد لرحلة البحث المضني عن “جرعة حياة” في كل مرة يحتاج فيها المريض لوحدة دم.

اقرأ أيضاً:أزمة حادة في مشافي الأمراض النفسية بسوريا: نقص الأخصائيين وتزايد مرضى الفصام

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.