“واشنطن بوست”: غياب التصويت العام يهدد “شمولية” أول انتخابات برلمانية سورية بعد سقوط الأسد
تستعد سوريا لاستحقاق سياسي جديد مع الانتخابات البرلمانية المقررة الأحد المقبل، وهي الأولى التي تُجرى بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.
وتُقام هذه الانتخابات في ظل غياب اقتراع شعبي مباشر، واعتمادها على آلية الهيئات الانتخابية وتعيين الرئيس أحمد الشرع لثلث مقاعد مجلس الشعب.
وبينما يرى مراقبون أن هذه الآلية لا تفي بالمعايير الديمقراطية الكاملة، فإنها تُعد مؤشرًا أوليًا على توجهات السلطة الجديدة فيما يتعلق بـالمشاركة، والشمول، والتنوع السياسي، بحسب ما نقلته “واشنطن بوست”.
الانتقال من “الانتخابات الصورية” إلى “آلية الهيئات الانتخابية”
وذكر التقرير أن الانتخابات في عهد عائلة الأسد (الذي دام أكثر من 50 عاما) كانت تجري بانتظام وبمشاركة جميع السوريين، لكنها كانت تُعتبر صوربة على نطاق واسع، مع هيمنة دائمة لحزب البعث.
وأشار محللون انتخابيون من خارج سوريا إلى أن الجانب التنافسي الوحيد كان يكمن في الانتخابات التمهيدية الداخلية لحزب البعث قبل يوم الاقتراع.
أما الانتخابات المرتقبة، فلن تكون عملية ديمقراطية بالكامل. سيتم التصويت على غالبية مقاعد مجلس الشعب من قبل الهيئات الانتخابية في كل دائرة، بينما سيُعين الرئيس الانتقالي أحمد الشرع ثلث المقاعد مباشرة.
ورغم أن هذه الانتخابات لا تتضمن تصويتا شعبيا، فمن المرجح أن تُقاس نتائجها بمدى جدية السلطات الجديدة في التعاطي مع قضايا الشمولية، خصوصًا فيما يتعلق بتمثيل النساء والأقليات.
تفاصيل آلية عمل النظام الانتخابي الجديد
يتألف مجلس الشعب من 210 مقاعد. سيتم انتخاب ثلثي المقاعد (140 مقعدًا) من قبل الهيئات الانتخابية، بينما يُعيّن الثلث الباقي (70 مقعدًا). كان من المقرر أن يُصوت 7000 عضو من أعضاء الهيئة الانتخابية في 60 دائرة على المقاعد المنتخبة. ويتم اختيار أعضاء الهيئات الانتخابية من بين مجموعة من المتقدمين في كل دائرة بواسطة لجان مُعينة.
إلا أن الانتخابات أُجّلت إلى أجل غير مسمى في محافظتي السويداء و المناطق الشمالية الشرقية الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بسبب التوترات بين السلطات المحلية في تلك المناطق والحكومة المركزية في دمشق، مما يعني بقاء مقاعد تلك الدوائر شاغرة. ونتيجة لذلك، سيُصوت حوالي 6000 عضو من الهيئة الانتخابية في 50 دائرة على نحو 120 مقعدًا. وتُعد حلب أكبر الدوائر بـ 700 عضو سيصوتون على 14 مقعدًا، تليها دمشق بـ 500 عضو سيصوتون على 10 مقاعد.
جميع المرشحين يترشحون كأفراد، حيث حُلّت جميع الأحزاب السياسية القائمة بعد الإطاحة بنظام الأسد، ولم يُوضع بعد نظام لتسجيل الأحزاب الجديدة، حسب ما أشارت إليه “واشنطن بوست”.
تحديات غياب التصويت الشعبي ومدة ولاية البرلمان
أكدت السلطات الجديدة أن صعوبة إنشاء سجل دقيق للناخبين وإجراء تصويت شعبي في الوقت الراهن هي السبب الرئيسي لغيابه، نظرًا لـنزوح ملايين السوريين داخليًا وخارجيًا على مدار 14 عامًا من الحرب، وفقدان الكثير منهم لوثائقهم.
وأشار كبير محللي الأبحاث في شركة كرم شعار الاستشارية، بنيامين فيف، لـ”واشنطن بوست” إلى صعوبة تحديد عدد السوريين داخل البلاد حاليًا، أو وضع قوائم انتخابية، أو ترتيب الخدمات اللوجستية لسوريي الشتات للتصويت.
ولفتت الصحيفة إلى أن مدة ولاية هذا البرلمان ستكون 30 شهرا، يُفترض أن تُمّهِد الحكومة خلالها الطريق لإجراء تصويت شعبي في الانتخابات المقبلة. ورغم أن غياب التصويت الشعبي أثار انتقادات بكونه غير ديمقراطي، يرى بعض المحللين أن مبررات الحكومة قد تكون مشروعة.
من جهة أخرى، يرى الباحث البارز في مبادرة الإصلاح العربي ومركز تشاتام هاوس للأبحاث، حايد حايد، أن النقطة الأكثر إثارة للقلق هي غياب المعايير الواضحة لاختيار الناخبين، مشددا على أن العملية برمتها معرضة لـالتلاعب، خاصة فيما يتعلق باختيار اللجان الفرعية والهيئات الانتخابية التي تفتقر للرقابة.
كما أشار حايد لـ”واشنطن بوست” إلى اعتراضات واسعة بعد حذف السلطات الانتخابية لأسماء من القوائم الأولية دون تقديم تفاصيل لأسباب الحذف.
الشمولية وتمثيل النساء والأقليات تحت المجهر
لا توجد حصص محددة لتمثيل المرأة والأقليات الدينية أو العرقية في البرلمان. كان من المطلوب أن تشكل النساء نسبة 20% من أعضاء الهيئة الانتخابية، لكن هذا لا يضمن تمثيلًا مماثلًا في المقاعد. ونقلت “واشنطن بوست” عن وكالة سانا تأكيد رئيس اللجنة الوطنية للانتخابات، محمد طه الأحمد، أن النساء شكلن 14% من أصل 1578 مرشحا وصلوا إلى القوائم النهائية.
أما بالنسبة للأقليات، فقد أثار استبعاد محافظتي السويداء ذات الأغلبية الدرزية ومناطق الكراد في الشمال الشرقي، إضافة إلى غياب الحصص، تساؤلات حول تمثيل المجتمعات التي لا تُشكل جزءا من الأغلبية السنية.
وتكتسب هذه القضية حساسية، خاصة بعد أعمال العنف الطائفي الأخيرة التي قُتل فيها مئات المدنيين من الأقليتين العلوية والدرزية.
وأشار فيف إلى أن رسم الدوائر الانتخابية تم بطريقة تُنشئ دوائر للأقلية والأغلبية، معتبرا أن الحكومة لم تُقدم على دمج هذه الدوائر مع الدوائر ذات الأغلبية السنية، وهو ما كان سيلغي حضور الأقليات.
كما أشار المسؤولون إلى آلية تعيين الرئيس الشرع لثلث أعضاء البرلمان كوسيلة “لضمان تحسين شمولية الهيئة التشريعية”، والفكرة هنا هي إدراج نسبة أعلى من النساء والأقليات في التعيينات إن لم يتم انتخاب عدد كافٍ منهم.
ومع ذلك، أكد حايد للصحيفة أن نقص تمثيل السويداء والشمال الشرقي يظل مشكلة جوهرية، حتى لو عيّن الشرع أعضاءً من تلك المناطق، مشيرًا إلى أن “الخلاف بين سلطات الأمر الواقع ودمشق حول مشاركتها في العملية السياسية سيبقى قضية رئيسية” بغض النظر عن التعيينات.
اقرأ أيضاً:انتخابات مجلس الشعب في سوريا.. أول استحقاق بعد الأسد يثير جدلاً سياسياً وقانونياً
اقرأ أيضاً:واشنطن تايمز: تجاهل الشرع للعنف الطائفي في خطابه الأممي يثير الإحباط والانتقادات