مفاوضات سورية – “إسرائيل”: مسار معقد وحبل تفاهم قصير
تشهد المفاوضات الجارية بين سورية و”إسرائيل” تعقيدات متزايدة، وسط تقديرات بأن المسار الذي بدأ منذ أشهر لن يذهب بعيدًا. فالمطالب الإسرائيلية، بحسب مراقبين، تفوق قدرة الدولة السورية الحالية على تلبيتها، بالنظر إلى هشاشتها العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية. وأي اتفاق غير متوازن مع الإحتلال الاسرائيلي قد يثير غضبًا شعبيًا واسعًا، في وقت منح فيه الشارع الإدارة الجديدة فرصة لمعالجة الملفات الداخلية، لكنه قد لا يقبل بتنازلات خارجية تمس السيادة.
اتفاق أمني منظور
تتجه الأنظار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر، حيث يُطرح احتمال توقيع اتفاق أمني بين دمشق و”تل أبيب” على هامش مشاركة رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع وإلقائه كلمة تعكس “التحول السوري الجديد”. وتعد هذه المشاركة الأولى من نوعها منذ عام 1967.
الجولة الأولى من المفاوضات جرت عند نقاط حدودية بمشاركة وفود أمنية من الطرفين، ووصفت بأنها لقاء “كسر جليد”، هدفها تحديد العناوين العامة، دون الدخول في التفاصيل.
“إسرائيل” إلى الطاولة دون شروط مسبقة
اللقاء الأول تم بوساطة أميركية، انطلقت من ضرورة وضع أساس للمسار التفاوضي يبدأ من ملف الحدود، مع قياس كل خطوة تبعًا للتقدم المحقق. وبحسب تقديرات “إسرائيلية”، فإن الضربات والتوغلات العسكرية في سورية منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي حققت هدفها، وهو دفع دمشق إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة، حتى من دون اشتراط وقف الاعتداءات.
المفاوض “الإسرائيلي” جاء مستفيدًا من واقع الضعف السوري، واضعًا على الطاولة ملفات حساسة أبرزها: ترسيم الحدود، إقرار بسيادة “إسرائيل” على مرتفعات الجولان المحتلة، تقييد الوجود العسكري السوري جنوب دمشق، إضافة إلى وعود بانضمام سورية مستقبلًا إلى “اتفاقات أبراهام” والتطبيع الكامل.
في المقابل، ركّز الجانب السوري على أهداف ثلاثة: وقف القصف الإسرائيلي، العودة إلى اتفاقية فصل القوات لعام 1974، والانسحاب من المناطق التي دخلتها إسرائيل بعد كانون الأول الماضي، إلى جانب تحييدها عن الشأن الداخلي السوري.
من أبوظبي وباكو إلى باريس
واشنطن رأت أن الجولات التقنية كافية للانتقال إلى مستوى أعلى، فنقلت الاجتماعات إلى أبوظبي وباكو، حيث جرت مناقشات مفتوحة حول الاتفاق الأمني. الخطة الأميركية تقوم على مراحل: إجراءات لبناء الثقة، يليها اتفاق مكتوب بعدم الاعتداء، ثم بحث تجديد اتفاقية فصل القوات، وصولًا إلى مفاوضات حول اتفاق سلام، مع ترك ثغرة محتملة لانضمام سورية إلى مسار “اتفاقات أبراهام”.
ورغم تراجع وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية خلال المفاوضات، استمرت بعض العمليات العسكرية بهدف الضغط. تسريبات إعلامية أميركية وإسرائيلية تحدثت عن لقاء بين الرئيس الشرع و”رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي”، لكن دمشق نفت ذلك.
عقدة السويداء وتدخل الوسطاء
أحداث محافظة السويداء في 13 تموز/يوليو الماضي قلبت موازين المسار التفاوضي، إذ استندت “إسرائيل” إلى مطالب داخلية من شخصيات درزية لتبرير تدخلها العسكري جنوب سورية. وطرحت تسريبات حينها مقترحات لإقامة ممر إنساني أو شريط عازل في المحافظات الجنوبية الثلاث (القنيطرة، درعا، السويداء).
في ضوء هذه التطورات، تشكّل مسار تفاوضي جديد في باريس بوساطة فرنسية، وجرت ثلاث جولات في تموز وآب، جمعت وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بوزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر. وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية أن اللقاءات ناقشت الاستقرار في الجنوب السوري، وخفض التصعيد، ومراقبة وقف إطلاق النار في السويداء.
غير أن الجولة الأخيرة لم تنتهِ إلى اتفاق، ما دفع الوفد السوري إلى التوجه نحو الأردن وروسيا وتركيا، حيث تشكلت لجنة متابعة ثلاثية للسويداء في عمّان، بينما طلبت دمشق دعمًا روسيًا، ووقعت اتفاقية عسكرية مع أنقرة لتأهيل الجيش السوري.
أولويات متباينة
يظهر من مسار المفاوضات أن الأهداف متباينة بين الأطراف الثلاثة:
-
“إسرائيل” تسعى لتثبيت وقائع ميدانية في الجنوب وإقرار سيادتها على الجولان، وتقييد الدولة السورية الناشئة.
-
سورية تركز على وقف الاعتداءات والتوصل إلى اتفاق أمني برعاية دولية يطمئن إسرائيل، دون الدخول في مسار التطبيع أو اتفاقات أبراهام.
-
الولايات المتحدة تحاول إدارة التباينات عبر اتفاق عدم اعتداء أولي قابل للتطوير لاحقًا.
حبل تفاهم قصير
المعطيات تشير إلى أن المفاوضات لا تزال في بدايتها، وأن التعقيدات كبيرة والمواضيع متشابكة، ما يجعل “حبل التفاهم قصيرًا”. وبحسب مراقبين، فإن نجاح أي مسار تفاوضي يحتاج إلى تدخل أميركي من طبيعة خاصة، يأخذ بالاعتبار الفجوة العميقة بين مطالب إسرائيل وإمكانات سورية في مرحلتها الانتقالية.
اقرأ أيضاً:قوات الاحتلال تقتحم مناطق من ريف القنيطرة وتعتقل شبانا سوريين