سرقة بيانات السوريين… حين تتحوّل البنية الرقمية إلى ساحة صراع جيوسياسي

في السنوات الأخيرة، بدأت تطفو إلى السطح تقارير وتحقيقات تتحدث عن تسريب أو سرقة بيانات السوريين، سواء داخل سوريا أو في بلدان اللجوء. هذه البيانات لا تقتصر فقط على الأسماء وأرقام الهويات، بل تمتد لتشمل تفاصيل دقيقة: معلومات إقامة، حسابات بنكية، ملفات صحية، وحتى بيانات أمنية.

ما الذي يعنيه ذلك؟
يعني ببساطة أن السوري بات مُطارَدًا حتى في بصماته الرقمية.
وما هو أسوأ من ذلك: أن هذه البيانات قد تُستَغل — سياسيًا، اقتصاديًا، وربما استخباراتيًا — دون علم أصحابها، ودون قدرتهم على الاعتراض أو الحماية.

من يتحمّل المسؤولية؟
ومن يضمن اليوم، في ظل هذا التفكك، ألا تتحوّل حياة الناس الخاصة إلى مادة خام تُباع وتُشترى؟
في زمنٍ تحوّلت فيه البيانات إلى سلعة، يبدو أن السوريين، مرّةً أخرى، هم الحلقة الأضعف.

 

موقع سوريا الغد تحدث في تقرير له عن سرقة بيانات السوريين نستعرضه لكم كما جاء:

 

عندما ينتشر خبر تعرض البنية السيبرانية الحكومية السورية لاختراق مركّب فإن القضية لا يمكن اختصارها بصحة الخبر او نفيه، فالصورة الأولية توضح وفق الصورة الأولية ان أدوات هجوم متقدمة تم استخدامها ما سمح للمهاجمين باستخراج حزم بيانات مشفّرة تتضمن سجلات مدنية، وأرشيفات بريد إلكتروني حكومي، وبيانات دخول لبوابات إلكترونية رسمية.

التسريب لم يقتصر على الاختراق فحسب، فبعض التقارير تحدثت عن عملية نشر ممنهجة للبيانات في أسواق “الدارك ويب”، ضمن ما يشبه المزاد الإلكتروني المصغر، حيث عُرضت قواعد بيانات كاملة للبيع باستخدام العملات المشفّرة.

هذا النمط من الهجمات لا يشير فقط إلى ضعف تقني، بل إلى خلل عميق في سياسات الأمن السيبراني، وآليات الاستجابة للحوادث الرقمية، وبينما تتكتم الجهات الرسمية عن تفاصيل ما حدث، تُشير تحليلات مبدئية إلى أن المهاجمين استفادوا من ثغرات في بوابات حكومية تعمل ببروتوكولات قديمة وغير مؤمنة.

 

تسريب يظهر على السطح

خيوط هذا التسرب بدأت مع اخبار نشرتها وكالة ستيب نيوز نهاية حزيران 2025، وذلك عبر تغريدة صادمة تتحدث عن “اختراق واسع لمواقع حكومية سورية… والبيانات معروضة للبيع على الدارك ويب”، تزامن هذا التسريب مع معطيات مختلفة مرتبطة بالإداء الإداري للدولة، مثل إيقاف عمليات تسجيل بيع العقارات، أو تسجيل الولادات، ما أعطى هذا التسريب بعدا أعمق، إذ لا يمكن فصل أي خرق للبنية التحتية عن الخارطة الجديدة للصراعات غير التقليدية التي تستهدف ما تبقّى من بنى الدولة السورية.

فيما تصاعدت التكهنات، أصدرت وزارة الاتصالات السورية بيانا نفت فيه حدوث اختراق فعلي، مؤكدة أن ما جرى هو “محاولات اختراق تم رصدها والتعامل معها”، لكن المتابعين لاحظوا أن التصريحات الرسمية لم تنكر إمكانية وجود تسريب، بل ركّزت على نفي حصول اختراق “حديث” فقط، وهو ما يفتح الباب لتأويلات حول تسريبات قديمة لم يتم التعامل معها.

 

ما نوع البيانات التي سُرّبت؟ ومن يملكها حقًا؟

 

بحسب نمط الحوادث المشابهة، يُرجّح أن البيانات المسروقة تشمل:

أسماء، أرقام هوية، عناوين إقامة.

سجلات جوازات وسفر.

معلومات عن جهات الاتصال، الأقارب، وأماكن الولادة.

بيانات ضمان اجتماعي أو حتى سجلات طبية.

في بلد تتحوّل فيه الهوية الشخصية إلى أداة أمنية، فإن تسريب مثل هذه البيانات لا يشكّل فقط خرقا للخصوصية، بل تهديدا مباشرا للمواطن، إذ يمكن استخدامها لتصفية حسابات، تتبّع المعارضين، أو تنفيذ حملات تجنيد واختراق اجتماعي عن طريق تقنيات الهندسة الاجتماعية.

 

ورغم غياب اعتراف رسمي، إلا أن الأساليب التقنية المرصودة تشير إلى استخدام أدوات مثل:

RedLine Stealer  وRaccoon Infostealer، وهما أدوات تجمع معلومات حساسة من الأجهزة المستهدفة.

SQL Injection  لاستغلال ثغرات في تطبيقات مواقع الوزارات، وهي شائعة في مواقع حكومية غير محدثة.

Credential Stuffing عبر بيانات مُسربة سابقا، وهو سيناريو مرجّح في بيئة تعتمد على كلمات مرور ضعيفة ومعاد استخدامها عبر الأنظمة.

اللافت أن هذا الانكشاف الرقمي لا يقتصر على فشل تقني، بل يعكس غيابا استراتيجيا لمنظومة سيادة رقمية وطنية، وفي بلد تتعدد فيه مصادر القرار ومراكز السلطة، لا توجد جهة سيادية تمسك بمفاتيح الأمن الرقمي بشكل مركزي.

 

◾ عندما تصبح البنية الرقمية أداة في الحرب

في السياق الجيوسياسي السوري، لا يمكن فهم هذا التسريب بمعزل عن الحروب غير المرئية الدائرة بين أجهزة استخبارات إقليمية ودولية، تستخدم فيها البيانات كسلاح خفي.

فـ”إسرائيل” تخطط لـ”مسار سلام” مع سوريا وتسعى إلى تعزيز نفوذها عبر مشاريع رقمية جديدة داخل المؤسسات السورية.

والإمارات دخلت مؤخرا على خط الدعم التقني عبر مشاريع خدمات حكومية إلكترونية، ما يجعل قواعد البيانات أكثر عرضة للاختراق أو التنافس عليها.

من جانب آخر، تتابع تركيا عن كثب أي تحولات رقمية داخل الجغرافيا لسوريا، ما يجعل احتمالية التدخل الرقمي واردة من أكثر من طرف.

كل ذلك يدفع للتساؤل ما إذا كان التسريب ناتجا عن اختراق أجنبي؟ أم هو نتيجة “بيع داخلي” تم على يد أطراف داخلية فقدت ولاءها أو تبحث عن تمويل عبر السوق السوداء؟

 

أين ذهبت البيانات؟ من يشتريها ولماذا؟

البيانات المسروقة لم تبق حبيسة الأقراص الصلبة المخترقة، فحسب التقارير وجدت طريقها إلى أسواق الدارك ويب، حيث تُعرض للبيع كسلعة رقمية مربحة في مزادات مشفرة، أو تُعرض ضمن حزم جاهزة للاستخدام بأسعار تبدأ من بضع مئات من الدولارات، ويتحول السؤال هنا من كيف سُرّبت البيانات؟ إلى من يستخدمها الآن؟

عمليا فإن سوق البيانات هو “مساحة احتمال” واسعة تبدأ من “مهندسي السياسات والأسواق” وتنتهي عند حدود “الشبكات المحلية، والمشترون المحتملون:

أجهزة استخبارات إقليمية ودولية تسعى لبناء قواعد بيانات موازية، تتيح لها تعقّب أنماط السلوك، وشبكات القرابة، والتنقل، والانتماء الطائفي والسياسي للمواطنين السوريين، مثل هذه البيانات تُستخدم لاحقا في حملات تجنيد، مراقبة، أو حتى اغتيال رقمي صامت.

شركات تسويق تجاري وسياسي تستغل هذه المعلومات لاختراق السوق المحلية، عبر الإعلانات الدقيقة الموجّهة، أو في تنفيذ حملات تضليل سياسي محسوبة بدقة، خاصة في بيئات ضعيفة إعلاميا ومختلطة الولاءات.

مجموعات ابتزاز منظمة تستخدم المعلومات لابتزاز الأفراد، لا سيما إن كانت تتضمن بيانات حساسة عن ملفات طبية، قضائية، أو نشاطات مالية غير مصرّح بها، وفي بيئة يهيمن فيها الخوف، يمكن لمجرد كشف الاسم أن يتحوّل إلى كارثة شخصية.

ما هو أخطر من البيع: الاستخدام البنيوي

في بلد يُصنّف فيه الأفراد على أساس طائفي أو سياسي، يتحوّل تسريب البيانات إلى شكل جديد من العنف غير المرئي، فالخصوصية تتجاوز مسألة الأفراد، وتصبح ساحة صراع سيادي بحد ذاتها، وقدرة أي جهة خارج الدولة أو حتى داخلها على الوصول لهذه المعلومات تعني ببساطة أنها أصبحت تملك جزءا من سيادة القرار فوق الأفراد.

ويُفاقم هذا الخطر غياب أي تشريع أو مؤسسة وطنية لحماية البيانات، ما يترك المواطن السوري مكشوفا في مواجهة أجهزة متعددة؛ بعضها سياسي، أو حتى تجاري، أو ببساطة إجرامي.

في المحصلة، لا تُمثّل هذه التسريبات مجرد اختراق لأنظمة تكنولوجية، بل تكشف انهيار الحصون السيادية للدولة، حين يصبح ملف الهجرة، أو وثيقة طلاق، أو نتيجة فحص طبي أداة للهيمنة والابتزاز والتجنيد.

 

المقارنة العالمية: الدروس الضائعة

تقرير Check Point  الصادر في 29 حزيران 2025 لم يذكر سوريا صراحة، لكنه وصف هجمات سيبرانية مماثلة استهدفت دولا فشلت في تحديث بنيتها التحتية، وأشار إلى أدوات وتقنيات مطابقة تماما لما حدث في الحالة السورية.

ما يميّز الحالة السورية، هو أنها لا تحدث في دولة مستقرة بل في كيان هش سياسيا وقانونيا، ما يجعل استرداد البيانات أو محاسبة الجناة أمرا أقرب للخيال، فالفضاء الرقمي السوري أصبح فعليا “أرضًا سائبة” مفتوحة أمام كل لاعب خارجي أو داخلي يملك المال أو النفوذ.

 

لا يبدو أن هناك نية لدى السلطات القائمة للاعتراف بالخسارة الرقمية، ولا يوجد مؤشرات على خطط ترميم البنية السيبرانية أو حماية المواطنين من الأذى الرقمي المستقبلي، فحتى اللحظة، لا أحد يعرف:

  • كم عدد المواطنين الذين سُرّبت بياناتهم؟
  • من المسؤول المباشر؟
  • هل تم دفع فدية؟ هل هناك صفقات غير معلنة؟

وفي غياب هذه الإجابات، تبقى السيادة الرقمية السورية عرضة للتفكك، كما تفككت مؤسساتها السياسية والاجتماعية والعسكرية سابقا.

 

إقرأ أيضاً: “سحب الرواتب بالتقسيط”.. أزمة جديدة تعمّق معاناة السوريين وسط غياب الشفافية

إقرأ أيضاً: الاتصالات السورية تنفي تعرض المواقع الحكومية لاختراقات حديثة

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.