داما بوست | غدير إبراهيم
من جملة “ما حدا قدّك” إلى جملة “الله يعينك” تغيّرت حال الموظّف في القطاع العام، تليها زيادة في الأسعار يومياً أو شبه يومي، ليكون المُشترك بين العبارتين على الرغم من فرق المعنى هو “الرّاتب”. وبحُسبة صغيرة، إذا عرِفنا أن متوسط الرّواتب في القطاع العام حاليّاً يساوي تقريباً سعر بنطال على “البسطة” أو “تنكة” بنزين بسعر الحكومة الرسمي، فكيف يكون الحال مستوراً؟
يقول “محمود عماد الدّين” 30 سنة مُتزوّج ولديه طفلة ومُهندس يعمل في القطاع العام لـ “داما بوست”: “تعيّنت مُنذ سنة ونصف بصفتي مُهندساً مدنياً وبراتب مقطوع يبلغ 96 ألف ليرة سورية، أٌي لا يكفي سوى علبة حليب وكيس حفاضات، والطّفلة بحاجة 4 لكلّ منها، لك أن تتخيّل أن علبة الحليب بعد أن كانت ب 18 ألفاً أًصبح سعرها يتراوح بين الـ45 و50 ألفاً، وما يزال راتبي على حاله”.
وتابع عماد الدّين: “زوجتي مُهندسة في مؤسسة المياه في اللاذقية، إلا أن راتبها والذي يبلغ 98 ألفاً يكفيها مصروف طريق، وأنا اضطر للعمل بعد وظيفتي لتأمين حاجات المنزل والطفلة، الأمر الذي أبعدني عن جو العائلة كُلياً، حتّى طفلتي لا أراها تكبر أمامي، أشعر بنفسي أني رجل آلي لا حياة اجتماعية لا ترفيه لا شيء سوى أن نعمل اليوم ونفكر كيف سنؤمن طعامنا غداً”.
وعبّر عمار إبراهيم 37 سنة عازب وموظف في الشركة العامة للبناء والتعمير منذ 7سنوات لـ “داما بوست”: “توظّفت بمجبل تابع للشّركة مُساعد مُهندس وراتبي 115 ألفاً، آخر مرّة امتلكت الشّجاعة وذهبت لأشتري بنطالاً كانت منذ 6 سنوات تقريباً، أما الآن فلا أملك شجاعة التفكير في الأمر حتى، إذا بشتري بنطال براتبي بفتح تمي للهوا كل الشّهر”.
وصرّح عضو مجلس الشعب الدّكتور خليل خليل لـ “داما بوست”: “طالبنا بالمجلس أن ترتفع الرّواتب لثلاثة أضعاف”، مؤكداً أن حتى نسبة 300% لن تكون كافية، ولكن الإمكانيات لا تسمح للحُكومة بذلك، ووعدت الحُكومة أن ترفع الرّواتب 100% كخطوة أولى، وننتظر الحُكومة لتفي بوعدها، الذي تأخّر بعض الوقت.
في السياق نفسه أكّد المُحلل الاقتصادي الدّكتور عابد فضلية لـ “داما بوست”: “الجهات الحُكومية عليها أن تدرس أولاً إمكانيّة اتّخاذ قرار بهذه الزّيادة، ما هي مصادر تغطية تكاليفها؟ بحيث لا تُشكّل عبئاً ثقيلاً على الموازنة العامة للدولة، وألا تكون تغطيتها بفرض أعباء قد تؤثّر في النّشاط الاقتصادي، وألا ترتفع تكاليف الإنتاج فتحدث زيّادة ثقيلة على مُعدّلات التّضخُّم”.
وأضاف فضليّة: “اتخاذ قرار الزّيادة يجب أن يكون مدروساً، بحيث لا تكون نسبتها هزيلة وقليلة من جهة ولا تُحدث خضّة قد تؤثر سلباً في موازنات وٍأعباء الفعاليات الاقتصادية لدى كل من القطاع العام والقطاع الخاص من جهة أخرى، فرُبّما سيؤثر سلباً في المواطن (المُنتج والمُستهلك) بدلاً من أن يكون إيجابياًّ كما تهدف الحُكومة”.
أمّا عن رأيه في كيفية زيادة الرّواتب قال فضلية: “يُمكن أن تتم الزيادة في مراحل مدروسة ضمن مُخطط زمني يكون موازياً لخطط وإجراءات حكومية شاملة من شأنها تحريك عجلة الإنتاج الزّراعي والصّناعي وخلق مزيد من فُرص العمل، ويزيد من موارد الدّولة دون التثقيل بالضّرائب والرّسوم بل بخلق مطارح ضريبيّة جديدة عادلة ومُستحقّة” مُضيفاً إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات حُكومية تُسهم في زيادة الحل من القطع الأجنبي من جهة ويمكن أن تُسهم بالوقت ذاته باستقرار سعره، مع إجراءات مُلازمة تُسهم في تخفيض تكاليف الإنتاج وتكاليف الأنشطة الاقتصادية والاستهلاكية، إضافةً لتوزيع نسبة من الأرباح الصّافية على العاملين، وهنا لا بُد من التّذكير بضرورة إصلاح القطاع العام الاقتصادي والخدمي ومُعالجة الهدر في الموارد، الأمر الذي بدون نجاحه والبدء فيه سيجعل الأمور أصعب على الخزينة العامة للدولة”.
يُذكر أن آخر قرار لزيادة الرّواتب عام 2021 بنسبة 30%، حينها كان سعر صرف الدّولار في المركزي تقريباً 4000، وراتب الموظف 85 ألفاً، فهل سنشهد زيادة للرّواتب في سوريا هذه المدة، في ظل ارتفاع الأسعار وتدنّي مُستوى المعيشي “علماً أن سعر صرف الدّولار بحسب المركزي اليوم 8200 وما زال خيار الصّمود الذي يتخذه الرّاتب لا رجعة عنه.