هل تحوّلت المساعدات الخليجية إلى عنصر دعم أم بوابة تبعية للاقتصاد السوري؟

بعد عام كامل على مرحلة “التحرير” وما رافقها من انفتاح سياسي وإقليمي واسع، يقف الاقتصاد السوري اليوم أمام معادلة صعبة يتجاذبها عاملان متناقضان: تدفّق المساعدات الخليجية التي أسهمت في منع انهيار المؤسسات، مقابل استمرار سياسات اقتصادية داخلية تُضعف الإنتاج المحلي وتكرّس الاعتماد على الخارج.

فالمساعدات التي قدّمتها السعودية وقطر خلال الأشهر الماضية شكّلت، وفق خبراء، حبل نجاة للخزينة العامة، وخاصة في ما يتعلق بتأمين رواتب موظفي القطاع العام، لكنها في المقابل تطرح تساؤلات جادة حول أثرها الفعلي على التعافي الاقتصادي، وما إذا كانت تحولت إلى بديل مشروط عن الإصلاح البنيوي المنتظر.

مساعدات مالية… ضرورة عاجلة أم تهديد مستقبلي؟

الخبير الاقتصادي جورج خزام يرى أن المساعدات الخليجية، رغم أنها ساهمت في منع انهيار الرواتب واستمرار الخدمات الأساسية، تحمل مخاطر عميقة إذا استمرت الدولة في النظر إليها كـ“حل مقيم” وليس “مرحلة انتقالية”.

ويشير خزام، في منشور تحليلي عبر “فيسبوك”، إلى أن الإشكالية لا تتعلق بقلة الموارد بقدر ما ترتبط باستمرار السياسات الاقتصادية الداخلية التي وصفها بـ”الهدامة”، والتي تقوم – برأيه – على فتح أبواب الاستيراد على مصراعيها وخنق الصناعات الوطنية، بالتوازي مع تراجع دور القطاع العام وتدهور مصادر الدخل المحلية.

سياسات جمركية تربك السوق وتُضعف الصناعة

ووفق خزام، فإن قرار خفض الرسوم الجمركية على المستوردات التي لها بديل محلي شكّل “الثقب الأسود” الذي ابتلع جزءاً كبيراً من إيرادات الدولة، وألحق ضرراً واسعاً بالصناعة المحلية التي لم تستطع منافسة السلع المستوردة الأرخص سعراً.

هذه المقاربة، بحسب رأيه، أدت عملياً إلى إغلاق ورشات ومصانع كثيرة، وتراجع كبير في التحصيل الضريبي الناتج عن النشاط الصناعي، في وقت كان بالإمكان تعظيم الموارد الذاتية عبر تعزيز الإنتاج وتشجيع الصناعيين على التوسع.

تحذيرات من “التبعية الاقتصادية”

يحذر خزام من أن استمرار الوضع الحالي سيدفع سوريا إلى مرحلة خطرة من الارتهان المالي، بحيث يصبح مصير الرواتب والخدمات مرتبطاً بديمومة المساعدات الخارجية، وهو ما يعني – وفق قوله – فقدان جزء من السيادة الاقتصادية للدولة.

ويؤكد أن أي توقف مفاجئ للمساعدات سيضع الحكومة أمام عجز عن دفع الرواتب، وما يرافق ذلك من اضطرابات اجتماعية قد تهدد تماسك المؤسسات، لافتاً إلى أن المساعدات في ظل غياب الإنتاج لا تتجاوز كونها “مسكنات” تؤخر الانهيار ولا تعالج أسبابه.

الحماية الاقتصادية الذكية… رؤية بديلة

في مقابل هذا الواقع، يطرح خزام مقاربة مختلفة تقوم على ما يسميه “الحماية الاقتصادية الذكية”، وهي سياسة تعتمد على رفع الرسوم الجمركية على المستوردات المنافسة للمنتج المحلي، بهدف إعادة إحياء الصناعة وزيادة الإيرادات.

ويؤكد أن حصيلة الرسوم الجمركية الناتجة عن هذا الإجراء، إلى جانب الضرائب التي تولدها إعادة تشغيل المصانع، يمكن أن تتجاوز قيمة المساعدات الخليجية، مع فارق أن هذه الأموال ستكون ناتجة عن نشاط إنتاجي حقيقي يخلق فرص عمل ويعزز القوة الشرائية.

ويرى أن العام الأول بعد التحرير كان يجب أن يُستثمر في بناء اقتصاد منتج، لا في تكريس نموذج اقتصاد ريعي يقوم على الهبات والمساعدات.

حجم المساعدات… دعم مهم لكنه غير كافٍ

منذ بداية مرحلة “التحرير”، تلقت سوريا دعماً مالياً خليجياً ساعد في وقف التدهور السريع للقطاع العام. فقد موّلت قطر رواتب موظفي الدولة بنحو 87 مليون دولار خلال ثلاثة أشهر، فيما قدمت السعودية وقطر معاً 89 مليون دولار إضافياً لتغطية الخدمات الأساسية عبر برامج الأمم المتحدة.

كما شمل الدعم منحاً عينية واتفاقيات تقنية، بينها تزويد بعض محطات التوليد بالغاز الطبيعي لتحسين التغذية الكهربائية. وأعلنت الرياض عن نية استثمار ما قيمته بين 4 و6.4 مليارات دولار في مشاريع طويلة الأمد داخل سوريا، في حال توافرت بيئة التنفيذ المناسبة.

بين الإنعاش والارتهان… أي مستقبل للاقتصاد السوري؟

تكشف التجربة خلال العام الماضي مفارقة واضحة: المساعدات الخارجية كانت ضرورية لتأمين الحد الأدنى من استقرار المؤسسات، لكنها في الوقت نفسه لم تحرك عجلة الإنتاج، ولم تساهم في بناء قاعدة اقتصادية مستقلة.

ويبقى مستقبل الاقتصاد السوري مرهوناً بمدى قدرة الحكومة على تحويل دعم الخارج إلى فرصة إصلاح، وليس إلى سبب إضافي لترسيخ الاعتماد عليه، عبر تبني سياسات صناعية واضحة وتشجيع الإنتاج المحلي، والسير نحو نموذج اقتصادي قادر على تمويل نفسه بعيداً عن الهبات الطارئة.

بهذه الموازنة، فقط يمكن لسوريا الخروج من دائرة “الانعاش المؤقت” إلى مسار التعافي الحقيقي والمستدام.

اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.