الغاز والميناء ودير الزور محاور استراتيجية تؤثر في مستقبل سوريا

داما بوست -خاص

تتصدر ثلاثة مواقع استراتيجية في سوريا قائمة الأولويات لأي جهة محلية أو إقليمية تطمح للسيطرة على مستقبل البلاد. هذه العقد الثلاث – الغاز، الموانئ، ومناطق دير الزور – تشكّل مفاتيح التأثير في الاقتصاد والطاقة والسياسة السورية، وتحدد قدرة أي طرف على التحكم بالموارد الحيوية وضمان نفوذ طويل الأمد.

الغاز: رأس المال للطاقة والاقتصاد السوري:

يعتبر الغاز الطبيعي أحد أهم الموارد الاستراتيجية في سوريا، إذ يمثل أساساً لتوليد الطاقة، وتشغيل الصناعات، وتأمين الأمن الاقتصادي للبلاد. وتشير التحليلات إلى أن السيطرة على حقول الغاز والمشاريع المرتبطة به تمنح أي جهة القدرة على التأثير في سياسات الطاقة، وأسعار الوقود، والتبادل التجاري مع الدول المجاورة.

الموانئ: بوابة الاقتصاد السوري إلى العالم:

تشكّل الموانئ السورية على البحر المتوسط، حلقة محورية في التجارة والإمدادات. السيطرة على الموانئ تمنح القدرة على مراقبة حركة البضائع، استيراد الموارد الحيوية، وتعزيز النفوذ الاقتصادي والسياسي. ويؤكد الخبراء أن الموانئ ستكون محور أي استراتيجية لإعادة بناء الاقتصاد السوري بعد سنوات من الأزمة.

دير الزور: بوابة الموارد والهيمنة الإقليمية:

تعد محافظة دير الزور مركزاً حيوياً للطاقة والموارد الطبيعية، بما في ذلك النفط والغاز. ويؤكد خبراء في الطاقة أن السيطرة على هذه المنطقة تمنح القوة الاقتصادية والسياسية للجهة المسيطرة، مع تأثير مباشر على الأمن الغذائي والطاقة في سوريا. كما تشكل دير الزور حلقة ربط مهمة بين شرق سوريا والدول المجاورة، ما يجعلها نقطة جذب للنفوذ الإقليمي.

كم تملك سوريا من غاز طبيعي؟

تعرض قطاع النفط والغاز في سوريا للاستهلاك والاستثمار الجائر، ولحقت به أضرار كبيرة خلال سنوات الصراع واستمرار تعدُّد القُوى المسيطرة على الأراضي السورية، ولحقت هذه الأضرار بالحقول والمنشآت وخطوط النقل؛ فضلاً عن العقوبات التي فُرضت على سوريا وأعاقت عمليات الصيانة لسنوات، الأمر الذي يجعل إعادة استصلاح مَرافِق هذا القطاع ليعود إنتاجه للمستوى الطبيعي تحدياً مُركَّباً تُواجِهه الإدارة السورية الجديدة.

تمتلك سوريا مجموعة من الحقول والآبار التي تنتج النفط والغار بكميات جيدة، وتتركز معظم هذه الحقول والآبار أو الأوفر إنتاجاً منها في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية من البلاد والتي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، بينما توجد مصافي التكرير الرئيسية وما يتبعها من مَرافق في المنطقة الوسطى وعلى الساحل السوري، وهي تحت سيطرة الإدارة السورية الجديدة.

إن حاجة سوريا اليوم لقطاع النفط والغاز أكثر من أيّ وقت مضى، ومع ذلك فإن الإدارة الجديدة في دمشق تواجه مجموعة من التحديات والعقبات أمام الوصول إلى الاستثمار الأمثل في هذا القطاع الحيوي، وتجاوُز هذه التحديات والعقبات قد يحتاج إلى الوقت والجهد والتمويل، ولا بُدَّ فيه من الدعم الإقليمي والدولي.

الواقع الحالي لقطاع النفط في سوريا:

يُقدَّر الاحتياطي النفطي الذي تمتلكه سوريا بحوالَيْ 2.5 مليار برميل وفقاً لبيانات غربية، وتمثّل بذلك 0.2% من إجمالي احتياطي النفط العالمي البالغ 1.6 تريليون برميل.

تراجع إنتاج النفط السوري من 385 ألف برميل يومياً عام 2010 إلى ما يقارب 110 آلاف برميل نفط حالياً؛ موزَّعة على 100 ألف برميل تُنتَج من الحقول التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد” و10 آلاف برميل تُنتَج من الحقول التي تسيطر عليها الإدارة السورية الجديدة في دمشق.

يتم إنتاج النفط من حوالَيْ 78 حقل نفط أو نفط وغاز مُصاحِب، تتوزع 41 منها في محافظة دير الزور و11 في محافظة حمص و11 في محافظة الرقة و10 في محافظة الحسكة و4 في محافظة حماة وحقل واحد في محافظة حلب، وتُعَدّ حقول الرميلان في محافظة الحسكة هي الأكبر من حيث عدد الآبار الذي يتجاوز 1200 بئر موزَّعة على عدة حقول في الجزء الشمالي والشرقي من المحافظة، وبواقع إنتاج يومي حالي يقارب 30 ألف برميل، ويأتي بعده حقل العمر النفطي في محافظة دير الزور بواقع إنتاج يومي يقارب 25 ألف برميل.

يتم تجميع النفط في محطات تخزين وضخّ متنوعة السعات، مربوطة مع شبكة فيها العديد من خطوط النقل، أطولها خطّ من تل عدس إلى طرطوس، يصل طوله إلى 560 كم، وقد تعرضت هذه الخطوط لهجمات متفرقة خلال سنوات الصراع أدت لأضرار متفاوتة لكنها محدودة في غالبها.

تنقل هذه الخطوط النفط والغاز إلى المصفاتين الوحيدتين في سوريا وهما مصفاة بانياس التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 120 ألف برميل يومياً (كانت 133 ألف برميل يومياً عام 2011) ومصفاة حمص التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 100 ألف برميل يومياً (كانت 107 آلاف برميل يومياً عام 2011).

الواقع الحالي لقطاع الغاز في سوريا:

بالنسبة للغاز الطبيعي فيُقدَّر المؤكد من الاحتياطي السوري بحوالَيْ 240 مليار متر مكعب، وحوالَيْ 60% منها هو غاز مُصاحِب.

تراجع إنتاج الغاز السوري من 30 مليون متر مكعب يومياً عام 2010 إلى ما يقارب 9.1 مليون متر مكعب يومياً، موزعة على 8 ملايين متر مكعب من الحقول والآبار التي تسيطر عليها الإدارة السورية الجديدة في دمشق و1.1 مليون متر مكعب من الحقول والآبار التي تسيطر عليها قسد[4]، ولا يغطي هذا الإنتاج مُجتمِعاً سوى نصف احتياج محطات توليد الكهرباء عَبْر العنفات الغازية والبالغ حوالَيْ 18 مليون متر مكعب يومياً.

يتم إنتاج الغاز السوري من حوالَيْ 28 حقل غاز أو نفط وغاز مُصاحِب، تتوزع 19 منها في محافظة حمص و5 منها في محافظة دير الزور و2 في محافظة الرقة و2 في محافظة حماة.

هل يمكن لدير الزور أن تشكّل “نافذة اقتصادية” عبر ثروتها الغازية؟

عند النظر إلى دير الزور كمركز موارد (غاز/نفط/طاقة) + قربها الجغرافي من مناطق إنتاج + سهولة الربط مع موانئ وسواحل سورية — نعم، هناك إمكانية موضوعية تجعلها نقطة انطلاق لإعادة الإعمار وربط الاقتصاد الداخلي مع التجارة الخارجية. لكن هذا مشروط بمجموعة من العوامل:

مزايا محتملة:

موارد غازية وموقع جغرافي شرقي – قريب من حقول الغاز: وجود الحقول والمصادر الغازية في شرق وشمال شرق سوريا يمنح دير الزور أهمية كبيرة كمركز إنتاج.

إمكانية استخدام الغاز لإنتاج الكهرباء وتشغيل الصناعات: إذا أعيد تأهيل البنية التحتية، يمكن للغاز أن يغذي محطات توليد كهرباء أو مصانع (صناعات خفيفة، كيماويات، أسمدة…) — ما يخلق نشاطاً اقتصاديًّا محليًا.

ربط مع موانئ سورية على الساحل: عبر شبكة لوجستية — من شرق سوريا نحو الساحل — يمكن تصدير إنتاج، أو استخدام الموانئ كمنفذ لتجارة وصناعة تنتج في الداخل.

الفائدة من استثمارات الموانئ + الغاز + دير الزور = معادلة تعافٍ اقتصادي

إذا توفّرت الشروط (إنتاج – بنية تحتية – أمن – سياسات تشجيعية) فإن دير الزور + الغاز يمكن أن تشكّل العمود الفقري لمرحلة إعادة الإعمار السورية، مع ربط عبر الموانئ للاستيراد/التصدير.

التحديات والحواجز التي قد تمنع تحقيق هذا السيناريو:

لكن الواقع يحمل عديد من العوائق التي تجعل هذا التحول ليس مضمونًا:

البنية التحتية للطاقة والغاز تضرّرت بشدّة خلال الحرب، والإصلاح أو إعادة التأهيل يحتاج وقتاً واستثمارات ضخمة.

ضعف الإنتاج حالياً: الإنتاج من الغاز انخفض — الجفاف والتجارة غير المستقرة، والتحكم من جهات متعددة، والصراع على الموارد — يعني أن ما يُنتج اليوم ربما لا يكفي لتلبية حاجة محلية + تصدير.

سياسات واستقرار قانوني وأمني غیر مضمون: إعادة الاستثمار تتطلب بيئة مستقرة، قوانين شفافة، وضمانات للمستثمرين — وهذا ما تفتقده مناطق عدة من البلاد.

الاعتماد الزائد على الغاز وحده ليس كافياً: الاقتصاد بحاجة إلى تنويع — صناعات، زراعة، خدمات، بنية تحتية — ولا يمكن الركون فقط إلى موارد الطاقة.

التحديات العالمية والإقليمية: أسعار الطاقة العالمية، المنافسة الإقليمية، العقوبات، والتوترات، كل هذه عوامل تؤثر على جدوى استثمارات كبيرة في سوريا.

إمكانية حقيقية… لكنها رهينة بالإصلاح والتنفيذ:

السياق الحالي في سوريا يضع أمام دير الزور والموانئ السورية — بدعم من موارد الغاز — فرصة ربما تكون الأهم لإعادة الإعمار الاقتصادي والطاقة الوطنية. الاحتياطي الغازي الكبير والمنشآت القديمة — رغم الدمار — يمثلان رأس مال ثمين.

لكن هذه الإمكانية ليست مضمونَة، لأنها تعتمد على إصلاح البنية التحتية، الاستقرار القانوني، الأمن، وتحفيز الاستثمار. إذا استمر الانقسام، التردّي، أو السيطرة المتعددة على الموارد، قد تبقى هذه الثروات مجرد رقم على ورق.

القوى المحلية والإقليمية ستتجه نحو العقد الثلاث:

تشير التحليلات إلى أن أي خطط للتأثير في المستقبل السوري لن تقتصر على السياسة وحدها، بل ستتطلب السيطرة على الموارد الاستراتيجية. ويقول خبراء في الطاقة إن العقد الثلاث – الغاز، الموانئ، دير الزور – تمثل المحاور الرئيسية التي ستحدد القدرة على التأثير في الاقتصاد، الأمن، والسياسة السورية في العقد المقبل.

يؤكد الخبراء أن التحكم في الغاز والموانئ ودير الزور ليس مجرد مسألة اقتصادية، بل هو عنصر حاسم في أي استراتيجية محلية أو إقليمية تهدف لتشكيل مستقبل سوريا. ويرى أن مراقبة هذه الموارد ستكون مفتاحاً لفهم التحركات السياسية والاقتصادية القادمة في البلاد.

إقرأ أيضاً: حلب: الشرع يعد بمرحلة جديدة من الإعمار وسط تحديات صناعية واقتصادية كبيرة

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.