لماذا تُبقي بعض الدول على تصنيف هيئة تحرير الشام منظمةً إرهابية، بينما تزيلها دول أخرى رغم إعلانها حلّ نفسها؟

داما بوست - أسعد موسى:

أعلنت هيئة تحرير الشام (HTS) حلّ نفسها خلال “مؤتمر النصر” الذي عُقد في 29 يناير 2025، ودمجت مقاتليها ضمن قوات الجيش والأجهزة الأمنية السورية الجديدة. وعلى الرغم من إعلان حلّ التنظيم نفسه، بقيت الهيئة مصنّفة كمنظمة إرهابية في لوائح الأمم المتحدة والعديد من الدول الغربية، نتيجة ارتباطاتها السابقة بتنظيمي داعش والقاعدة. في حين أزالتها كلٌّ من أمريكا وبريطانيا من قوائم الإرهاب.”

ويطرح هذا الواقع تساؤلاً محورياً حول استمرار تصنيفها أو رفعها من قوائم الإرهارب: لماذا تبادر بعض الدول إلى شطب هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب رغم إعلانها حلّ نفسها، بينما تُبقي دول أخرى على تصنيفها؟

سؤالٌ تتداخل فيه الاعتبارات القانونية بالتحليلات السياسية، ويعكس غياب إجماع دولي حول معايير تصنيف الجماعات المسلحة بعد انتهاء دورها العسكري أو تغيير بنيتها التنظيمية.

خلفية التصنيفات الدولية

كانت هيئة تحرير الشام قد أُدرجت منذ عام 2014 على قوائم مجلس الأمن الدولي ككيان مرتبط بتنظيم القاعدة، ما أدى إلى تجميد أصولها وحظر سفر وتسليح قياداتها، بموجب لائحة العقوبات المعروفة بـ”قائمة داعش والقاعدة”. ولا يمكن رفع هذا التصنيف إلا بقرار من مجلس الأمن أو من خلال لجنة العقوبات التابعة له بالإجماع.

كما تبنّى الاتحاد الأوروبي موقفًا مشابهًا، إذ صنّف الهيئة منظمةً إرهابية سواء بتطبيق قرارات الأمم المتحدة أو عبر لوائح أوروبية مستقلة، وظلّ هذا الموقف ثابتاً حتى بعد التغير السياسي في دمشق.

أما الولايات المتحدة الأمريكية، فقد صنّفت وزارة خارجيتها الهيئة كمنظمة إرهابية أجنبية عام 2018، استناداً إلى قانون الهجرة والجنسية الأمريكي. وبعد سقوط نظام الأسد، أعلنت واشنطن في 8 يوليو 2025 رفع التصنيف، مبرّرةً القرار بأنّ “الهيئة أعلنت حلّ نفسها، وأن الحكومة السورية الجديدة التزمت بمحاربة الإرهاب ضمن رؤية لإعادة بناء سوريا مستقرة وموحّدة”.

وفي المملكة المتحدة، أُدرجت الهيئة على قائمة الإرهاب منذ عام 2017، لكن لندن أعلنت في 21 أكتوبر 2025 شطبها من اللائحة، موضحةً أنّ الخطوة تهدف إلى “دعم أولويات الأمن القومي البريطاني وتعزيز التعاون مع الحكومة السورية الجديدة في ملفات مكافحة الإرهاب والهجرة والأسلحة الكيميائية”.

إلى جانب ذلك، أبقت دول أخرى مثل دول الاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا وروسيا وإيران والصين واليابان وبعض الدول العربية على تصنيفها للهيئة كمنظمة إرهابية، تماشياً مع قرارات الأمم المتحدة أو انسجاماً مع المواقف الغربية أو لأسباب تتعلق بالدولة نفسها.

أبعاد قانونية وسياسية متشابكة

يرى الحقوقي السوري عمر المسالمة أنّ “السؤال حول سبب إبقاء الدول على تصنيف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية، أو إزالتها كما فعلت بريطانيا، رغم إعلان الهيئة حلّ نفسها، يحمل في جوهره أبعاداً سياسية وقانونية معقدة.”

وأوضح المسالمة في حديثه لشبكة “داما بوست” أنّه “من الناحية الفنية، فإن تغيير الاسم أو الحل أو الدمج لا يُعتبر سبباً كافياً لإزالة الحظر عن المنظمات الإرهابية، وذلك بسبب الجرائم التي سبق أن ارتكبتها هذه الجماعات والتي لا تسقط بالتقادم، إضافة إلى رغبة الدول في الحفاظ على الخيار القانوني لملاحقة المتورطين أو المنضمين سابقاً، واستمرار المخاطر أو النشاطات الإرهابية لأفرادها أو الشبكات التابعة لها، فضلاً عن منع أي دعم أو تمويل محتمل لإعادة نشاطها”.

وأضاف الحقوقي السوري أنّ “التصنيف الحالي لأي منظمة على أنها إرهابية يعتمد على المنظور السياسي والقانوني للدولة أو المنظمة الدولية التي تقوم بالتصنيف”، مبيناً أنّ “هذا يعني أن القرار لا يخضع لمعايير موحدة، بل لمصالح سياسية ومقاربات قانونية مختلفة من دولة إلى أخرى”.

وأشار إلى أنه “من البداية، لا يوجد إجماع دولي موحّد أو ملزم على تعريف مصطلح الإرهاب أو تحديد من هو الإرهابي، رغم محاولات استمرت لأكثر من خمسين سنة داخل الأمم المتحدة ومؤسسات القانون الدولي”، مشيراً إلى أنّ “سبب ذلك هو تباين المواقف الدولية حول حقوق الشعوب في المقاومة، وحول عنف الدولة ضد مواطنيها، وكذلك الاختلافات في المعايير السياسية والدينية”.

القرار البريطاني: براغماتية سياسية أم مخاطرة قانونية؟

ورأى أنّ قرار بريطانيا إزالة هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية هو “قرار سياسي بامتياز وليس فنياً، لأن هيئة تحرير الشام لم تحلّ نفسها فعلياً، بل قامت بحل شكلي فقط، فيما بقي هيكلها التنظيمي والأمني قائماً داخل الدولة السورية الجديدة التي يقودها أحمد الشرع باعتباره رئيساً انتقالياً”. وأكد أنّ “أفراد الهيئة ومؤسساتها ما زالوا يتمتعون بالقدرة والتنظيم، وخاصة أن مؤسسات الدولة الحالية مثل الجيش والقوى الأمنية ذات لون واحد لا يمثل الطيف الوطني السوري، كما أن مسار العدالة الانتقالية ما زال معطلاً ولا يشمل أفراد هيئة تحرير الشام سابقاً”.

وأضاف المسالمة أنّ “الجرائم التي ارتُكبت في الساحل السوري وفي محافظة السويداء تقع اليوم على عاتق السلطة الانتقالية التي تضم في صفوفها أفراداً من الهيئة “، معتبراً أنّ “القرار البريطاني بإزالة الهيئة من قائمة الإرهاب كان متسرعاً، لأنه يعني عملياً أن المواطنين البريطانيين يمكنهم الآن التواصل والتنسيق مع أفراد ما كان يُعرف سابقاً بهيئة تحرير الشام دون أي اعتبارات قانونية وفقاً لقانون الإرهاب البريطاني”.

وتابع قائلاً إنّ “هذا القرار يفتح المجال أمام أفراد وشبكات هيئة تحرير الشام السابقة للتغلغل أكثر داخل مؤسسات الدولة السورية الجديدة والاستفراد بها”، مشيراً إلى أنّ “المصالح السياسية البريطانية تبدو اليوم ذات أولوية على الجوانب الأخلاقية والقانونية والحقوقية”.

وأوضح المسالمة أنّ “إبقاء التصنيف على حاله كان سيُعيق قدرة بريطانيا على التعامل دبلوماسياً مع السلطات السورية الجديدة في ملفات الأمن والمهاجرين والأسلحة والاقتصاد”، لكنه شدد في الوقت نفسه على أنّ “السلطات السورية الانتقالية يجب أن تدرك أن الموقف البريطاني براغماتي بحت، إذ حذّرت بريطانيا بأنها تحتفظ بحقها في إعادة التصنيف إذا برزت تهديدات جديدة، وهذا يعني أن على الحكومة السورية الجديدة أن تراعي المصالح البريطانية في ملفاتها الخارجية”.

وختم الحقوقي السوري عمر المسالمة بالقول إنّ “هذا الموقف البريطاني قد يدفع السلطات السورية إلى تقديم تنازلات على حساب المصالح الوطنية في قضايا جوهرية، مثل الصراع مع الكيان الصهيوني الذي يحتل مرتفعات الجولان السورية”، مضيفاً أنّه “بين المصالح البريطانية والنظام السياسي الحاكم، تضيع المصالح الوطنية السورية”.

إقرأ أيضاً: هيئة تحرير الشام: رحلة التحولات من الجهاد إلى البراغماتية، هل يمكن الوثوق بها؟ (الجزء الأول)

إقرأ أيضاً: شام كاش.. بيت مال هيئة تحرير الشام تحت إشراف أبو مريم الأسترالي

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.