الصناعيون في سوريا يرفعون الصوت: “الأولوية لما صُنِع في سوريا”

يشهد المشهد الاقتصادي السوري حراكاً متزايداً باتجاه حماية الصناعة المحلية ومنحها الأفضلية في السوق والمشتريات الحكومية، في ظل احتجاجات وتحركات يقودها الصناعيون الذين يواجهون أزمات متراكمة تهدد استمرارية معاملهم.

خلال وقفة أمام مقر اتحاد غرف الصناعة السورية في دمشق، وقع عدد من الصناعيين على معروض رُفع إلى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، طالبوا فيه بوقف استيراد أي منتج يجري تصنيعه محلياً، وبإجراءات عاجلة لدعم القطاع الصناعي، معتبرين أن استمراره ضرورة للحفاظ على عجلة الإنتاج وفرص العمل.

تحديات الصناعة السورية

يرى الصناعي محمد أورفه لي أن الصناعيين والحكومة يجب أن يقفوا في “خندق واحد” لحماية الصناعة الوطنية، مؤكداً أن شعار “صنع في سوريا” ينبغي أن يكون رمزاً للبلاد في الخارج. ويشير إلى اختلال الميزان التجاري الذي يظهر واردات بنحو 7 ملايين طن مقابل صادرات لا تتجاوز 1.6 مليون طن حتى آب/أغسطس الماضي.

من جهته، حذر الصناعي زاهر كشور من توقف نحو 500 معمل خلال شهرين بسبب القرارات الحكومية التي تفرض غرامات كبيرة بالدولار، رغم دفع قيمتها سابقاً بالليرة، معتبراً ذلك تهديداً وجودياً للصناعة.

أما محمد العبود، مستشار شركات السيراميك، فأوضح أن أسعار الطاقة المرتفعة جعلت هذه الصناعة غير قادرة على المنافسة، حيث توقفت معظم معامل دمشق وريفها ولم يبق سوى اثنين يعملان بربع طاقتهما.

ويشكو الصناعيون من منافسة غير عادلة مع المستوردين، إذ يدفع الصناعيون تكاليف تشغيل وضمانات كبيرة، بينما تُفرض رسوم منخفضة على البضائع المستوردة. الصناعي علاء عكاشة لفت إلى أن حوامل الطاقة تستحوذ على أكثر من 70% من كلفة إنتاج النسيج، فيما يغرق التهريب والاستيراد السوق بالمنتجات الأجنبية.

من جانبه، أشار الصناعي نزار غنّام إلى تراجع جودة الإنتاج الوطني نتيجة الفساد والاعتماد على الاستيراد الرديء، حتى بات المواطن يفضل المستورد رغم ارتفاع سعره أضعافاً. كما أكد الصناعي علي الزالق أن غياب التحديث منذ عام 2010، وفساد قطاع الكهرباء، والاستيراد العشوائي، عوامل تهدد قطاعاً يعتمد عليه ثلث السوريين في معيشتهم.

إجراءات حكومية لدعم المنتج المحلي

في أيلول/سبتمبر، أصدرت وزارة المالية تعميماً يمنح المنتج الوطني الأفضلية في المشتريات الحكومية، ليحصل على علامات أعلى عند المفاضلة بين العروض، إذا كانت جودته متماثلة مع المستورد. ويشمل القرار المناقصات واستدراج العروض للجهات العامة والمشافي.

الصناعي عصام تيزيني اعتبر التعميم خطوة إيجابية لتشجيع المستثمرين والمنتجين المحليين، مؤكداً أن دعم الصناعة الوطنية مطلب قديم. لكنه شدد على أهمية مرافقة هذه الخطوة بإجراءات ضريبية ومالية أكثر فاعلية.

عجز تجاري مع تركيا

الأرقام تعكس حجم التحدي: خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025، بلغت واردات سوريا من تركيا 1.8 مليار دولار بزيادة 54% عن العام الماضي، فيما لم تتجاوز الصادرات السورية 143 ألف دولار بانخفاض 45%. هذه الفجوة رفعت العجز التجاري بنسبة 81%، ما يعكس اعتماد السوق على المستوردات.

أولوية المنتج المحلي.. بين القرار والتطبيق

يرى الخبير الاقتصادي عامر خربوطلي أن التعميم الحكومي يعزز السوق المحلية، موضحاً أن أكثر من 70% من المشتريات الحكومية يمكن أن توفرها الصناعة السورية، مقابل 20–30% فقط من الخارج. لكنه يشدد على أن المنافسة ضرورية لدفع الصناعيين نحو تطوير الجودة وتخفيض التكاليف.

ومع ذلك، تبقى التساؤلات قائمة: هل ستتمكن الدولة من تطبيق سياساتها الجديدة بجدية، وتوفير حماية حقيقية للمنتج المحلي، أم سيظل الصناعيون في مواجهة مباشرة مع المستوردات غير المضبوطة، ما يهدد مستقبل الصناعة السورية بأكملها؟

اقرأ أيضاً:الصناعة السورية بين الرهانات والتحديات: هل تتجاوز أزمتها؟

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.