أوروبا والخليج في دمشق.. من يُعيد بناء سوريا؟

في خطوة تهدف إلى جذب المستثمرين العرب والدوليين، انعقد مؤتمر “الطاقة والبنية التحتية في سوريا” بتاريخ 22 أيلول 2025، بفندق “غولدن مزة” في دمشق، وسط غياب واضح للتمثيل الحكومي، ما أثار تساؤلات عن مستقبل التعاون بين القطاعين العام والخاص في مشاريع إعادة الإعمار.

مؤتمر دولي يروج لفرص الاستثمار في سوريا:

نُظم المؤتمر من قبل المنظمة العربية الأورومتوسطية للتعاون الاقتصادي (EMA) بالتعاون مع شركة المحاماة الألمانية CLAYSTON، واستهدف تسليط الضوء على فرص الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة والبنى التحتية، بعيدًا عن القنوات الحكومية التقليدية، في وقت تشهد فيه البلاد تحولات اقتصادية وسياسية متسارعة.

من هي EMA وCLAYSTON؟

EMA: منظمة دولية غير ربحية مقرها ألمانيا، تسعى لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول العربية ودول أوروبا المطلة على البحر المتوسط وشمال إفريقيا.

CLAYSTON: تحالف دولي لمكاتب محاماة ومستشاري ضرائب وماليين، يقدّم خدمات استشارية للشركات العالمية منذ عام 2005.

الشركات المشاركة: من إيطاليا إلى السعودية:

“أنسالدو” الإيطالية تطرح خطة لإعادة تأهيل محطات الطاقة:

شركة Ansaldo Energia الإيطالية، وهي من أعرق الشركات في قطاع الطاقة (173 عامًا)، أعلنت عن اهتمامها بإعادة تأهيل محطات توليد الكهرباء في سوريا، بالتنسيق مع وزارة الطاقة السورية، خاصة تلك التي لم تتم صيانتها منذ أكثر من 14 عامًا.

توطين الصناعات الكهربائية في سوريا:

منتصر قلعه جي، الرئيس التنفيذي لشركة “شرفة” القابضة، ومستشار مجلس الأعمال السعودي السوري، كشف عن جهود نقل الصناعات الكهربائية من السعودية إلى سوريا، وتحديدًا عبر مدينة الشيخ نجار الصناعية في حلب. وتخطط الشركة لتصنيع محولات، محطات كهربائية، مراكز تحكم، وسيرفرات خاصة بالبنية التحتية للاتصالات.

اللوجستيات: التحدي والفرصة:

شركة خلود حلبي وشركاه للخدمات اللوجستية أكدت أهمية الخدمات اللوجستية في عملية إعادة الإعمار، بما يشمل النقل، التخزين، التخليص الجمركي، والبريد السريع. لكنها في الوقت ذاته أوضحت أن العقوبات الدولية على قطاع النقل السوري لا تزال فعالة، ما يعرقل دخول شركات أجنبية كبرى إلى السوق.

العقوبات الأمريكية لا تزال سارية:

أكد الشريك جود عبد المسيح أن العقوبات على سوريا ما تزال قائمة، بما في ذلك قانون “قيصر”، مشيرًا إلى أن أي مركبة تحتوي أكثر من 10% من مكوناتها أمريكية لا يمكن تصديرها إلى سوريا. كما أن الغرامات على خرق العقوبات قد تصل إلى 1.2 مليار دولار، مما يدفع معظم الشركات الدولية إلى الحذر الشديد.

تسهيلات حكومية محدودة:

أشاد المشاركون بتحديثات المنافذ البرية والبحرية، مثل إلغاء إجازات الاستيراد وتوحيد التعرفة الجمركية، إلا أنهم أشاروا إلى الحاجة الماسة لتطوير البنية التحتية في مطار دمشق الدولي، خاصة على المستوى الرقمي والتقني.

فرص التمويل الدولي: قروض بملايين اليوروهات:

المحامي السوري الألماني ممدوح التجار، مدير فرع EMA وCLAYSTON في دمشق، كشف أن المنظمة تقدم قروضًا منخفضة الفائدة (4-6%) لتمويل مشاريع كبرى في الطاقة والبنية التحتية.

قيمة القرض الواحد: تبدأ من 50 مليون يورو.

الجهات المستفيدة: منظمات غير ربحية (بتمويل حكومي أوروبي)، وشركات ربحية (بتمويل من بنوك أوروبية خاصة)

مدة القرض: حتى 10 سنوات.

مقارنة مع القروض المحلية:

في المقابل، القروض المحلية المتاحة عبر المصرف الصناعي السوري لا تتجاوز سقف 235 ألف يورو، بفوائد تبدأ من 17% سنويًا، ما يجعل التمويل الدولي خيارًا أكثر جاذبية.

خطط مستقبلية لتطوير التعليم والطاقة والمرأة:

تسعى المنظمة الأورومتوسطية أيضًا إلى إطلاق مشاريع إضافية في سوريا، تشمل:

1- تدريب الشركات غير الربحية في مجال الطاقة المتجددة.

2- مشاريع في الرعاية الصحية.

3- دعم المرأة اقتصادياً عبر برنامج “وصال”.

4- اتفاقيات مع جامعات سورية وخاصة (مثل IUST) لتطوير التعليم الرقمي والتدريب المهني.

هل تمهد المؤتمرات الطريق لإعادة إعمار سوريا خارج الإطار الرسمي؟

رغم الطابع الدولي للمؤتمر والتنوع في الجنسيات المشاركة (ألمانيا، السعودية، أمريكا، قطر، الأردن، تركيا)، فإن غياب الجهات الحكومية السورية عن مثل هذا الحدث الاقتصادي الكبير يثير علامات استفهام حول استراتيجية الدولة في جذب الاستثمار وإعادة الإعمار.

تحديات المرحلة المقبلة:

1- استمرار العقوبات الدولية بقيادة الولايات المتحدة.

2- غياب التمويل المحلي الكافي للمشاريع الضخمة.

3- الحذر الشديد من الشركات الأجنبية الكبرى بسبب المخاطر القانونية.

4- ضرورة تطوير البنية التحتية التكنولوجية، خاصة في المطارات والمرافئ.

5- أهمية التنسيق بين القطاع الخاص المحلي والدولي لبناء شراكات واقعية.

مؤتمر “الطاقة والبنية التحتية” يفتح نافذة فرص.. ولكن بشروط:

بين فرص التمويل المغرية من بنوك أوروبية، والطموح لتوطين الصناعات وتطوير الخدمات اللوجستية، وبين القيود المفروضة بفعل العقوبات والفراغ الحكومي، تقف سوريا على مفترق اقتصادي مهم، قد يحدد مسار إعادة الإعمار في السنوات القادمة.

إقرأ أيضاً: الشرع في نيويورك: حراك اقتصادي ودبلوماسي وسط تساؤلات حول النتائج

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.