كرة القدم السورية بين فراغ إداري وتأجيل الانتخابات
بين أزمات معيشية خانقة وواقع يطغى عليه العنف في أكثر من منطقة سورية، فقد كثيرون شغفهم بالرياضة، إلا أن آخرين ما زالوا يتمسكون بكرة القدم باعتبارها القاسم المشترك القادر على جمع السوريين على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم.
اليوم تتجه الأنظار إلى انتخابات مجلس إدارة اتحاد كرة القدم السوري، بعد أن استُنفدت كل المهل القانونية الممنوحة من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لإنهاء حالة الفراغ الإداري المستمرة منذ استقالة مجلس الإدارة السابق مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، وسط أجواء يطغى عليها التفاؤل الحذر.
دور الوزارة وتدخلات مثيرة للجدل
وزارة الرياضة والشباب، عبر لجنتها الاستشارية التي تدير اللعبة مؤقتاً، تسعى إلى ضبط مسار الانتخابات ومنع عودة الوجوه التقليدية لإدارة الاتحاد، وذلك من خلال تعديلات مقترحة على النظام الأساسي تسمح بترشح شخصيات لا تنطبق عليها الشروط السابقة.
أبرز هذه التعديلات يتمثل في إلغاء شرط المؤهل العلمي للمرشحين لرئاسة الاتحاد أو عضويته، ما أثار جدلاً واسعاً في الشارع الرياضي والإعلامي. ويرى معارضون للتعديل أنه يشكّل تراجعاً عن معايير الكفاءة والخبرة التي تحتاجها اللعبة في ظل التطور الكبير آسيوياً وعالمياً.
أسماء تعلن نيتها الترشح
رغم غياب التعليمات الرسمية حتى الآن، بدأ بعض الأسماء البارزة بالإعلان عن نيتها الترشح. من بينهم الحكم الدولي السابق فراس الخطيب (المقيم في هولندا)، والإداري السابق أحمد بيطار (المقيم في الولايات المتحدة)، إضافة إلى نائب رئيس الاتحاد السابق تاج الدين فارس. وقد طرح هؤلاء ملامح أولية لبرامجهم الانتخابية، مع وعود بإصلاحات وتطوير للعبة.
جدل حول نظام القوائم
من بين المقترحات أيضاً اعتماد نظام القوائم الانتخابية بدلاً من الانتخابات الفردية للرئيس ونائبه والأعضاء. هذا النظام يَعِد بانسجام أكبر بين مكونات مجلس الإدارة الجديد، لكنه في المقابل قد يُقصي أسماء كفوءة.
التجربة السابقة في اتحاد كرة السلة السوري أثارت الشكوك حول هذا النظام، إذ قادت إلى تركيز السلطة بيد الرئيس من دون معارضة تُذكر. ووفقاً للتسريبات، سيُخفض عدد أعضاء مجلس الإدارة الجديد من 11 إلى 9، مع مراعاة التوزع الجغرافي، من دون شرط أن يكون الرئيس مقيماً في دمشق كما كان معمولاً به سابقاً.
ولاية جديدة أم استكمال مرحلة؟
من بين نقاط خلافية أدرجها “فيفا” في ملاحظاته على المقترحات التي جرى رفعها إليه، اعتماد ولاية جديدة لمجلس الإدارة الجديد تمتد أربع سنوات حتى العام 2029، بدلاً من استكمال المرحلة السابقة للاتحاد المستقيل، على أن يتم إدراج التعديلات الجديدة للنظام الأساسي من خلال الاتحاد الذي الجديد الذي سيستكمل الفترة المتبقية. لكن تأخّر إجراء الانتخابات وعدم وجود خريطة طريق واضحة للوصول إلى اليوم الانتخابي المنشود، قلص هذه الفترة “التكميلية” إلى أقل من عام ميلادي واحد، وهو ما يجعل “فيفا” يوافق على البدء بمرحلة جديدة لمنح مزيد من الاستقرار لكرة القدم السورية وإتاحة الفرصة أمام تسريع وتيرة العمل في الفترة المقبلة.
تحديات متراكمة أمام المجلس الجديد
مهما كانت هوية الفائزين في الانتخابات المقبلة، فإن التحديات أمامهم كبيرة ومعقدة.
البنية التحتية الرياضية المتهالكة، والموارد المالية المحدودة، والقوانين التي تمنع الأندية من إدارة استثماراتها بحرية، كلها عقبات ما زالت قائمة. فالأندية السورية توصف بأنها “محترفة بالاسم فقط”، بينما تدار عملياً كأندية هاوية.
إلى جانب ذلك، فإن التأخر في تحديد موعد الانتخابات يعني أن المجلس الجديد لن يتسلم مهامه قبل نهاية أكتوبر/ تشرين الأول، أي مع انطلاق الموسم الكروي المحلي والخارجي. هذا الواقع سيجبر الاتحاد الجديد على الانخراط مباشرة في إدارة الروزنامة الكروية المزدحمة، بدلاً من التفرغ لترتيب البيت الداخلي أو إطلاق خطط تطويرية بعيدة المدى.
بين الأمل والقلق
الانتخابات المرتقبة لاتحاد كرة القدم السوري تحمل في طياتها آمالاً بتجديد الدماء وتحقيق انطلاقة مختلفة، لكنها في الوقت ذاته محفوفة بمخاطر استمرار الأزمات الإدارية والمالية والتنظيمية. وبين شد وجذب داخلي وضغوط خارجية من “فيفا”، تبقى كرة القدم السورية أسيرة ظروف معقدة تجعلها تدفع ثمناً باهظاً لتأخير الاستحقاق الانتخابي المنتظر.
اقرأ أيضاً:وزير الرياضة والشباب يطلق رؤية جديدة لتطوير الرياضة السورية