شركة غامضة تشتري أول شحنة نفط من سوريا بعد رفع العقوبات
في تطور اقتصادي بارز، عادت سوريا رسميًا إلى خريطة مصدري النفط الخام بعد غياب دام أكثر من عقد، عبر صفقة أثارت اهتمامًا واسعًا في سوق الطاقة العالمية. فقد أعلنت وزارة الطاقة السورية عن بيع أول شحنة نفط خام بكمية 600 ألف برميل من الخام الثقيل إلى شركة غير معروفة سابقًا تدعى “بي سيرف إنرجي” (B Surf Energy).
انطلقت الشحنة من ميناء طرطوس على متن ناقلة النفط اليونانية “نيسوس كريستيانا”، في أول مؤشر فعلي على تحرك قطاع النفط السوري نحو إعادة الاندماج في السوق الدولية بعد رفع العقوبات الأمريكية في أغسطس 2025.
من هي شركة “بي سيرف إنرجي”؟
رغم تصدرها عناوين الأخبار، لم تُظهر شركة “بي سيرف إنرجي” أي وجود رقمي أو سجل تجاري موثوق حتى الآن. فقد كشف تحقيق أجراه موقع “الحل نت” عن غياب موقع إلكتروني رسمي، أو بيانات موثقة عن تاريخ تأسيسها أو مجال عملها.
وهو ما دفع العديد من المراقبين إلى التشكيك في هوية الشركة الناشئة، معتبرين أنها ربما ليست سوى واجهة قانونية أو “مركبة ذات غرض خاص” (SPV) أُنشئت خصيصًا لإتمام هذه الصفقة النفطية الحساسة.
هل ترتبط “بي سيرف إنرجي” بـ “بي.بي إنرجي” العالمية؟
نقلت وكالة رويترز عن مسؤول سوري أن الشركة الشارية ترتبط ببيت تجارة النفط العالمي المعروف “بي.بي إنرجي” (BB Energy)، وهي شركة تمتلك تاريخًا طويلاً في تجارة الطاقة منذ تأسيسها في الستينيات بواسطة عائلة باساتني، وتدير أعمالها من مراكز تجارية عالمية مثل دبي، لندن، هيوستن، وسنغافورة.
لكن المثير للجدل أن “بي.بي إنرجي” لم تُصدر أي تعليق رسمي يؤكد أو ينفي ارتباطها بـ”بي سيرف إنرجي”، كما لا تتضمن وثائقها أو مواقعها الرسمية أي ذكر لهذا الكيان الناشئ ضمن وحداتها أو شركاتها التابعة.
فرضية “الكيان الوسيط” في تجارة النفط المعقدة:
خبراء في مجال الطاقة يرون أن “بي سيرف إنرجي” قد تكون شركة وسيطة أنشئت خصيصًا لإبرام الصفقة تحت غطاء قانوني ومالي يهدف إلى تقليل المخاطر المتعلقة بالعقوبات أو شروط التأمين والشحن، خاصة في ظل القيود التي كانت مفروضة على النفط السوري.
غالبًا ما تستخدم شركات التجارة الدولية هذه الأساليب عند التعامل مع بيئات سياسية غير مستقرة أو خاضعة لعقوبات، حيث تظهر كيانات جديدة بسرعة لإتمام صفقات محددة ثم تختفي أو تندمج ضمن شركات أكبر.
عودة النفط السوري: بين رفع العقوبات والطموح الاقتصادي:
تأتي هذه الصفقة بعد قرار وزارة الخزانة الأمريكية في 25 أغسطس 2025 برفع العقوبات عن قطاع النفط السوري، بموجب أمر تنفيذي وقّعه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ويرى محللون أن هذه الخطوة تمثل بداية لعودة سوريا إلى الاقتصاد الإقليمي والدولي، حيث تأمل الحكومة الانتقالية في أن تسهم عائدات النفط في تمويل مشاريع إعادة الإعمار، وتحقيق قدر من الاستقرار الاقتصادي بعد سنوات الحرب.
تحديات مستقبل قطاع الطاقة في سوريا:
رغم التفاؤل، يظل مستقبل النفط السوري مرهونًا بتحديات كبيرة، من أبرزها:
1- التوصل إلى اتفاقات مستدامة مع القوى الكردية التي تسيطر على معظم مناطق إنتاج النفط في شمال وشرق البلاد.
2- جذب استثمارات أجنبية مباشرة رغم المخاوف القانونية والسياسية.
3- إعادة تأهيل البنية التحتية التي دمرتها الحرب، خصوصًا أن سوريا كانت تنتج نحو 380 ألف برميل يوميًا في 2010 قبل اندلاع الأزمة.
هل تمثل “بي سيرف إنرجي” بداية جديدة أم واجهة مؤقتة؟
حتى الآن، تبقى “بي سيرف إنرجي” كيانًا غامضًا يثير تساؤلات عديدة، وسط ترجيحات بأنها مجرد أداة مؤقتة أُنشئت لإبرام صفقة نفطية حساسة في توقيت دقيق، بينما يراها آخرون بوابة محتملة لعودة تدريجية لـ”بي.بي إنرجي” إلى السوق السوري في ظل بيئة جيوسياسية جديدة.
في كلتا الحالتين، تُعد الصفقة علامة فارقة في مسار إعادة دمج سوريا في النظام الاقتصادي العالمي بعد سنوات طويلة من العزلة والعقوبات، وسط أنظار مراقبي الطاقة والمستثمرين الإقليميين والدوليين.
إقرأ أيضاً: استثمارات عربية ودولية بمليارات الدولارات.. بين الطموح والشكوك
إقرأ أيضاً: سوريا تصدر أول شحنة نفط بعد 14 عاماً من العقوبات