كثيرة هي العوامل التي دفعت الشباب السوري لمواجهة التحديات والضغوط الحياتية والنفسية، حتى صارت “الهواجس” تلاحقهم أين ما كانوا، فمنهم من اضطر للهجرة، ومنهم من يكابد عناء البقاء في ظروف لا تناسبه، وهو ما حاول المخرج مأمون الخطيب تجسيده في مسرحية بعنوان “هواجس” والتي احتضتنها خشبة مسرح الحمرا بدمشق على مدى أربعة أيام، حيث عملت وزارة الثقافة ومديرية المسارح والموسيقا على احتضان المواهب الشابة وتدريبهم ليصوا إلى مراحل متقدمة، ويخرجوا بنتاج فني شبابي بالمطلق.
وشكلت “هواجس” لوحة تجسد حالات مختلفة بمشاركة 18 شاباً وشابة من مختلف الأعمار والتخصصات، شاركوا فيها كهواة وممثلين، وأكد مخرج العمل الأستاذ “مأمون الخطيب” لـ “داما بوست” أن مسرحية هواجس هي نتاج ورشة عمل لإعداد الهواة في المسرح والتمثيل تحت إشراف وزارة الثقافة ومديرية المسارح والموسيقا، وهي ورشة تنتهي بعرض مسرحي استغرقت مدة شهرين من العمل المتواصل، واعتمدت على منهاج أكاديمي وعلمي مشابه لمنهاج المعهد العالي للفنون المسرحية، لتتوج بعرض جماهيري بنهاية الورشة، ومسرحية هواجس تمثل الشباب السوري بظل الوضع الراهن وما يعانيه اليوم وحالة القلق التي يعيشها”.
وعن الرسائل التي حاولت مسرحية هواجس إيصالها، أوضح “الخطيب” أن الرسائل تضمنت تصوير الشباب السوري وفقدانه الكثير من مقومات الحياة، ومعاناته مع الحب، ومع الخذلان، وعلاقته مع العائلة والأصدقاء، وانطلقنا من عنوان يمس المضمون بشكل أساسي وهو القلق الشخصي الذي يشغل فكر هؤلاء الشباب، والذي يعبّر تماماً عما يقوله هذا الممثل أو ذاك، والحقيقة أن الرسالة الأولى هي احتضان المواهب السورية ومحاولة استقطابهم للعمل الفني، ضمن ورشة مجانية تقيمها وزارة الثقافة ومديرية المسارح والموسيقا، أما الرسالة الثانية هي الشغف والعمل في المسرح، والثالثة هي إطلاق مواضيع جدلية يجب أن تقال على خشبة المسرح لتصل لجميع فئات المجتمع، وكل مجموعة شملت موضوعاً معيناً، مثل العائلة والأصدقاء والشق النفسي، وفي النهاية كادر العمل هو مجموعة متكاملة ولكن كل مجموعة عملت على هاجس أردنا الإضاءة عليه.
وعن انتقاء الممثلين قال “الخطيب”.. “وضعنا معايير تشبه التقديم للمعهد العالي للفنون المسرحية، وتقدم عدد كبير من الهواة، وانتقي 18 شخصاً للعرض النهائي، وهذه الورشة هي الثانية من نوعها”.
بدوره “إبراهيم عيسى” الأستاذ المساعد في مسرحية هواجس قال لـ “داما بوست”.. “مسرحية هواجس تضمنت الشباب الهواة من سن الـ 17 سنة وحتى الـ 30 سنة، ومعظمهم يقف للمرة الأولى على خشبة المسرح، ولكن خلال شهرين مع التدريب المكثف وعلى عدة محاور منها الصوت، وليونة الجسد، والتكوين النفسي وإخراج الموهبة بشكل جيد، خرجنا بعرض هواجس في النهاية، والعرض المسرحي هو عبارة عن مونولوجات ذاتية من كتابة الطلاب المشاركين في العمل، وفي مرحلة ما تقاطعت حياتهم مع أدوارهم في المسرحية، مما دفعهم في التميز في العمل، وخلق صورة واقعية للمشاهد”.
وأضاف.. “خلال العمل على الورشة حاولنا إيصال الممثلين لأقصى استفادة ممكنة، فالوقوف على خشبة المسرح حتى للممثلين أصحاب الخبرة يعتبر من الأمور المتعبة جداً، فكيف إذا كان في بدايته الفنية وللهواة بشكل خاص، وبسبب الظروف الحالية وخصوصاً المادية، يمكن وصف الشباب والشابات المشاركين في المسرحية بالمناضلين نتيجة تحملهم شهرين من التعب والجهد”.
وقال “جمال الدين زعير” لـ “داما بوست” وهو أحد المشاركين بالعمل المسرحي.. “جاءت الورشة بعد انقطاع دام 4 سنوات عن الوسط الفني، وسابقاً عملت في المجال التمثيلي ولدي عرض في دار الأوبرا بعام 2015 بعنوان “الرحلة 47” في اليوم العالمي لأطفال متلازمة داون، إضافة إلى عملي في المسرح الجامعي والورشات التدريبية الخاصة، وعن دوري في مسرحية هواجس هي شخصية “إيهاب” الذي تعرض للكثير من الصراعات الحياتية والنفسية”.
وأشار “زعير” إلى أن الشخصية تلامس شخصيته الواقعية بكثير من الأحيان، لذلك عمل على تركيب شخصيته وهواجسه على شخصية “إيهاب” في المسرحية وأضاف.. “دائماً الممثل عند تأديته شخصية معينة لابدّ من أن تلامسه أو أن تلامس أفراد جيله، والوقوف على خشبة مسرح الحمرا كان له خصوصية فريدة، وشيء مهم لنا كممثلين، وأنا في سبيل تحقيق شغفي في الحياة والوقوف على خشبة المسرح، قدمت استقالتي من عملي كموظف في محافظة حماة، وانتقلت إلى دمشق فوراً للتقديم على ورشة العمل المعلن عنها، وواجهت الكثير من الصعوبات منها إيجاد السكن وصعوبة التنقلات في البداية إلى حين استقراري بعد 20 يوم تقريباً”.
وقال “عمار السيد” لـ “داما بوست” وهو أيضاً أحد المشاركين في المسرحية.. “هذه التجربة تعد من أهم التجارب على الصعيد الشخصي، وخلال المسرحية تقمصت شخصية “كشاش حمام” الذي تعرض لفقدان منزله ووالديه ورفض أقاربه له، مما دفعه للعمل بالأجرة وتعرضه للابتزاز والاستهزاء، ليتعرف لاحقاً على شخصية “أبو حدو” وهو أحد شخصيات العمل، ويدخله في عمل “كشاش الحمام”.
وعن رسالة “السيد” في الفن والمسرح قال.. “كادر العمل مؤلف من 18 شخصاً كل منا عمل على فكرة معينة، فمنا من عمل على فكرة المرض، والآخر عن الطموح والخذلان، لنكون في النهاية مسرحية متكاملة تضمن رسائل كثيرة حاولنا إيصالها”.
وقالت الشابة “آيات الأطرش” المشارِكة بمسرحية هواجس لـ “داما بوست”.. “مشاركتي بهواجس هي المشاركة الأولى والظهور الأول على خشبة المسرح، ومن خلال هذه الورشة التي استمرت لمدة شهرين اكتشفت نفسي وانتمائي للمسرح كممثلة، والمسرح بالنسبة لي هو أفضل وأرقى مكان لإيصال رسائل الفنان بشكل عام، وخلال دوري في المسرحية بشخصية “آيات” أيضاً، كان محور الشخصية هو ما يمر به الفنان أو الفنانة تحديداً والصعوبات التي يتعرض لها في مجال الفن، ومهاجمتهم من قبل المجتمع”.
وتابعت “الأطرش”.. “في البداية وعلى خشبة المسرح كان التوتر سيد اللحظة، حتى بدأت بالعرض التمثيلي، وبسبب شغفي في المجال استطعت كسر حاجز الخوف وتقديم أفضل ما لدي، وأنا شخصياً دائماً ما أرى النصف الممتلئ من الكأس، وأشجع كل ما لديه الموهبة والشغف أن يكافح بكل ما لديه ليصل إلى حلمه”.