ألمحت الحكومة في مراتٍ عديدة إلى نيتها إلغاء أو تقليص الدعم الذي توليه لمختلف المواد الأساسية، في خطوةٍ تهدف إلى إعادة توجيه ذلك الدعم لمستحقيه حسب قولها، وبما يتناسب مع استراتيجيتها المتعلقة بزيادة الرواتب المرتقبة منذ أشهر، والتي باتت في نظر الكثيرين خطوةً ضرورية لسد الفجوة بين دخل الفرد ومصروفه الطبيعي المبني على احتياجاته المعيشية.
ويشير الواقع المعيشي اليوم إلى أن هذا الد عم لم يعد يلبي احتياجات المواطنين من المواد الأساسية، بسبب نقصٍ في التوزيع والتموين، وارتفاع أسعار العديد من المواد المتوفرة في السوق الحرة، فبات المواطن يجد نفسه مضطراً إلى شراء ما يحتاجه من المواد المدعومة بأسعارٍ مضخّمة، أو بعد انتظارٍ طويل في الطوابير، مع استفادةٍ لا تسمن ولا تغني من جوع من تلك المواد المدعومة، فمن غير المنطقي بحسب الخبراء والمتابعين أن يكون سعر ليتر المياه أغلى من سعر المازوت المخصص للنقل، على سبيل المثال.
أفضل الدعم
ربطة الخبز من المواد الأساسية والضرورية التي تخضع للدعم من قبل الحكومة، والتي تباع بـ 250 ليرة، بينما يشتريها بعض المواطنين من السوق بسعرٍ يصل إلى 2000 ليرة، في حين أن هذا الدعم لا يصل إلى المستفيدين بالشكل المطلوب، بسبب النقص في الإنتاج والتوزيع والرقابة، وانتشار ظاهرة التلاعب بالوزن وبياعي الطرقات وغيرها من أساليب الفساد، التي لا تنفي وجود جهد كبير من قبل الحكومة لتأمين الخبز لمواطنيها بالسعر المناسب.
وتعاني المخابز منذ نحو ثلاثة سنوات من نقصٍ في توفر الطحين والغاز والكهرباء وحتى الخميرة بشكلٍ منتظم، مما ساهم في تقليل كمية وجودة الخبز المنتج، وجعل المواطنين يعانون من ازدحامٍ شديد في انتظار الحصول على مخصصاتهم المقننة أساساً، الأمر الذي دفع معظمهم للاعتماد على السوق الحر في تأمين احتياجاتهم، ورغم أن الحالة ليست معممة ولكنها موجودة وأسبابها تحصل بين فترة وأخرى.
يقول “محمود.ب” 48 عاماً لـ “داما بوست”.. “مخصصاتي على البطاقة الإلكترونية ربطتا خبز فقط يومياً، وحاجتي الفعلية أنا وعائلتي تبلغ أكثر من ذلك كون وزن الربطة لا يتجاوز 740 غرام، لذلك أضطر يومياً لشراء ربطتين إضافيتين بالسعر الحر حتى لا ينام أطفالي دون عشاء” ويضيف.. “الدعم لم يعد بتلك القيمة التي يتحدثون عنها، لولا الخبز لقلنا إنه معدوم”.
المازوت يودع الدعم
ليس الخبز هو المادة الوحيدة التي تشهد اختلالات في عملية التموين والدعم، فمادة المازوت تعاني أيضاً من نقصٍ حادٍ وارتفاعٍ كبير في الأسعار، فالحكومة تحدد سعر الليتر الواحد منها بـ 700 ليرة للتدفئة والنقل، و5400 ليرة للإنتاج والصناعة، فضلاً عن تقنين الكميات المخصصة على البطاقة الإلكترونية وتقليلها، مع عدم التزام الحكومة بتوفيرها بالشكل المطلوب، الأمر الذي يدفع المستفيدين إلى التوجه نحو السوق السوداء وشرائها بأسعارٍ مضاعفة.
وفي هذا السياق، تقول “جناة.م” 58 عاماً من سكان دمشق لـ”داما بوست”.. “لم نحصل على مخصصات التدفئة كاملةً العام الماضي، قمنا بتعبئة 50 لتر فقط وهي لا تكفي لشهر، اضطررنا لشراء حوالي 150 لتر بالسعر الحر، وهو العام الثالث على التوالي الذي نشتري به معظم حاجتنا من مازوت التدفئة من خارج البطاقة الإلكترونية”.
بدوره، يشير “خضر” أحد سائقي السرافيس في دمشق لـ “داما بوست” إلى أنه لا يعتمد بشكل كلي على مخصصاته من المازوت على البطاقة الإلكترونية، مبيناً أنه لولا الكميات التي يستطيع تأمينها شهرياً من السوق السوداء فإنه لم يكن ليكمل عمله على الخط، مما سيجعله وعائلته في وضع أسوأ مما عليه الآن، ويقول.. “الدعم هو أن تُكفيني من المخصصات”.
أسطوانة “الحلم”
ومن المواد الأخرى التي تخضع للدعم، أسطوانة الغاز، باستخداماتها المختلفة في الطبخ والتدفئة والصناعة كذلك، والتي تباع بنحو 12 ألف ليرة بالسعر المدعوم وبـ 35 ألف ليرة بسعر التكلفة على البطاقة الإلكترونية، في حين أنها باتت أيضاً من الأساسيات التي قننتها الحكومة، ما أجبر آلاف الأسر والجهات المستفيدة منها على البحث عن مصادر أخرى في السوق السوداء لتأمينها، بأسعارٍ تفوق سعرها الحقيقي بأضعاف.
وتقول “جناة” في هذا الصدد.. “أحياناً يمر شهرين أو ثلاثة حتى يأتي دورنا في استلام حصتنا من الغاز الذي كاد أن يصبح حلماً، لكننا بتنا نعتمد على مصادر بديلة عن المخصصات الحكومية، في الطبخ والتدفئة وغيرها، في غالب الأحيان نشتري أسطوانتي غاز أو ثلاثة بسعرٍ وسطي يقارب 150 ألف ليرة للواحدة، وأحياناً نعتمد على ببور الكاز، انتظار الدور لم يعد ضمن أولويات معيشتنا”.
من جهته، يرى أحد أصحاب محلات المعجنات في دمشق والذي فضّل عدم ذكر اسمه، أنه لو اعتمدت جميع المحال على أسطوانات الغاز الصناعي المدعوم في عملها لأغلقت جميعها، نظراً لنقص الكميات المخصصة من قبل الحكومة، مشيراً إلى توفرها في الأسواق الموازية بأسعارٍ مرتفعة، الأمر الذي ساهم في ارتفاع أسعار المنتجات التي تقدمها عديد المحلات والمطاعم.
لا رز ولا سكّر
بالإضافة إلى الخبز والغاز والمازوت وغيرها، نسيت غالبية العائلات السورية مخصصاتها من السكّر والرز والزيت النباتي، التي كانت توفرها لهم البطاقة الإلكترونية بأسعارٍ مخفّضة نسبياً عن الأسواق، حيث أوضح بعض المواطنين لـ “داما بوست” أنهم لم يستلموا منذ أشهر مخصصاتهم من تلك المواد نتيجة عدم توفرها على البطاقات الإلكترونية لأسبابٍ باتوا يجهلونها، معتبرين أنه حتى في حال توفرها فإن كمياتها غير كافية وتدفع بهم لشراء احتياجاتهم المتبقية منها من الأسواق الخارجية بأسعارٍ مرتفعة.