داما بوست | منى دياب
وصفت سوريا قرار الأمم المُتحدّة بإنشاء ما سمته “مُؤسّسة مُستقلة” لجلاء مصير المفقودين في سوريا بالتدخّل الصّارخ بشؤونها الدّاخلية، جاء ذلك على لسان مندوبها الدّائم لدى الأمم المُتحدّة السّفير بسام صبّاغ الذي وصف اللجنة بـ “المُسيّسة”، مؤكّداً أن بلاده حريصة على التعامُل مع هذه المسألة الإنسانية، إلا أنّها ترفُض نهج التسييس الذي تم السير به بشأنها، وتؤكّد على أن المسائل الإنسانية لا يمكن تجزئتها، ولا يُمكن التّعامل معها بانتقائية على حد قوله.
وفي تفاصيله، ينصّ القرار الذي صادقت عليه جمعية الأمم المُتحدّة في 30 يونيو- حزيران 2023، على إنشاء “مؤسّسة مُستقلة” معنية بالمفقودين في الجُمهورية العربية السّورية، لجلاء مصير ومكان جميع المفقودين في سوريا الذين تُقدّر “مُنظمات غير حكومية” عددهم حوالي 100 ألف شخص مُنذ بدء الأزمة السّورية عام 2011.
يرى “د.نعيم آقبيق” الأستاذ في القانون الدّولي والإنساني في توضيحه لداما بوست أنّ ” قرار جمعية الأمم المُتحدّة مُخالف لميثاقها لأن “المادة 2″ من الميثاق تقول أنه ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المُتحدّة التدخّل في شؤون الدّول الداخلية ولا يجوز عرض هذا الموضوع على الجمعية العامة أو أي منبر من منابر الأمم المُتحدّة”.
وتابع “د.آقبيق” تعليقاً على مُخالفة الجمعية لميثاقها وانتهاكها الصّارخ لسيادة سوريا.. “قرارات الجمعية الصادرة من العام 1946 حتى الآن تنص على عدم التدخّل بالشّؤون الداخلية لأي دولة، لذا هذا القرار صارخ بانتهاك سيادة الدولة السّورية والسلطة القضائية في سوريا هي المسؤولة عن البحث في وضع الناس وهي التي تقرر كل ما يخص وضع شعبها، والجمعية أيضاً تستطيع فقط إصدار توصية بموجب أحكام المادة 10 و 11 و 12 وليس قرارات، ومجلس حقوق الإنسان الذي تشكّل عام 2006 هو الذي ينظر بقضايا حقوق الإنسان وبعد التوصّل لنتيجة يتم عرضها على الجمعية العامّة ومن ثم على مجلس الأمن، ولا يجوز تنفيذ أي قرار إلا عن طريق مجلس الأمن، وهناك يمكن للدّول أن تعتمد الفيتو للطّعن في أي قرار”.
وأضاف “د.آقبيق”.. “المُلفت للنظر أن اجتماعات الجمعية العامة تبدأ من أيلول وتستمر حتى شهر شباط أو آذار والآن تنعقد في الشهر السادس! ويصدرون قرارات أيضاً، ويبقى هذا القرار حبر على ورق فقط بمُحاولة للنيل من سيادة سوريا بسبب تحسّن وضعها في الآونة الأخيرة، الجانب الأمريكي لن يسكت إزاء التطورات الأخيرة وسنشهد المزيد من التجاوزات والقرارات وكلها تبقى حبر على ورق”.
فيما لم يُحدد النص المُصادق عليه طرائق عمل هذه المؤسسة التي سيتعين على الأمين العام للأمم المُتحدّة تطوير “إطارها المرجعي” في غضون 80 يوماً بالتّعاون مع المُفوض السّامي لحقوق الإنسان، لكنه يُشير إلى أنه سيتعين عليها أن تضمن ” المُشاركة والتمثيل الكاملين للضّحايا والنّاجين وأسر المفقودين” وأن تسترشد بنهج يركز على الضّحايا.
تساءل مُتابعون عبر مواقع التواصُّل الاجتماعي عما إذا كانت هذه الإجراءات ستشمل مفقودي عائلات الموظّفين السّوريين الذين فُقدوا في ظروف غامضة خلال الأزمة السّورية، وخاصّة في المناطق الخارجة عن سيطرة الدّولة السورية، والتي شهدت عمليات خطف وارتكاب جرائم بحق العديد من الأشخاص لمُجرّد أنهم موظفو دولة، أو يتبعون للجيش العربي السّوري، وحتى الذين خُطفوا على هويتهم في بعض المناطق على حد وصف مُتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
تروي “مايا حيدر” طالبة في جامعة دمشق قصّة والدها لداما بوست تعقيباً على قرار فتح ملف المفقودين في سوريا.. “والدي العميد حسام حيدر فقدناه من سنة 2012، خطفه الإرهابيون في منطقة بريف دمشق، لم يتسنَّ لنا التأكّد بالضّبط أين هو لكن آخر نقطة اتصال رُصدت له كانت في المليحة، فيما بعد نشر الإرهابيون عبر الفيسبوك مقاطع فيديو لوالدي لتكون هذه آخر كلمة له”.
وتابعت مايا.. ” بقينا ننتظر أي خبر عنه لسنوات طويلة، بين صد ورد واخذ وعطا، وتفاوض وغيره، رحل والدي وإلى اللحظة هذه لم نعرف عنه شيء، وبعد اختفاءه لمُدّة تجاوزت فترة طويلة تم توفيته في الدّولة، والدي هو ضابط بالشّرطة فقط ليس له ذنب بأي شيء من يعيده لنا؟ لكن آخر حديث وصلنا عنه أنهم يعلمون أنه لم يفعل شيء إلا أن هويته وعمله كموظف بالدّولة كانا كفيلين لاختفاءه”.
وعلقت والدة مايا على قصة زوجها.. “يفتحولنا تحقيق بمفقودينا كمان، هذا مو من حقنا؟ وين مجلس الأمن من كل يلي صار فينا”.
وبقي مصير أغلبية المفقودين في سوريا مجهولاً، والوقت الطويل على فُقدانهم جعل أهاليهم يقولون كما قالت مايا..” بتمنى يكون متوفي وما يكون عم يتعذّب كل هالسنين لأن والدي مريض سرطان”.
كما وصف البعض قرار الأمم بغير المُنصف، وخاصّة لما يملكه السّوريون من تجارب مع الأمم المُتحدّة ومُنظمات ما يُسمّى بحقوق الإنسان التي فشلت على كل المستويات خلال سنوات الحرب بسبب تسييس الملف الإنساني، أو حتى خلال مجازر عدة جرت في مناطق مُختلفة من سوريا.. فهل تمّت مُحاسبة المُنفذين؟ أو تقديم أحدهم أمام المجالس الدّولية؟ هل توصلت الأمم المُتحدّة لنتائج في أبحاثها حول مُنفذي الهجمات الكيميائية الحقيقيين؟ جميعها أسئلة تطرح لما جرى خلال 12 عاماً من الحرب في سوريا، وهذا ما جعل الشارع السوري يرفض قراراً أممياً جديداً لا يعول عليه.
الجدير ذكره أن الدّولة السّورية لم ترجع أسباب رفضها لهذا القرار بالتّخوف منه أو بالتّخوف من تصريح حول المفقودين في سجونها، إلا أنها تطلب المُحاكمة العادلة لملفات جميع المفقودين، وضمان حقوق الجميع وسلامة سير هذه الاجراءات على أن تكون مُنصفة بحق السّوريين ككل وليس فقط أن يكون قرارها في إطار مُحاربة الدّولة السّورية واتهامها بارتكاب ” فظائع ” على مر السّنين.