داما بوست-منهل إبراهيم| ولد حلف شمال الأطلسي “ناتو” من رحم الحروب ونشأ عقب الحرب العالمية الثانية وترعرع في ظل الخوف، من تزايد قوة الاتحاد السوفييتي، وأصبح الدفاع عن أوروبا ضد السوفييت هو الشعار الخفي الذي رفعه التحالف العسكري.
لكن حلف شمال الأطلسي ضل طريقه بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وسقوط سور برلين في عام 1989، وبدأ يبحث عن دواعي بقائه وتوسعه، وواجه انتقادات وتحديات كبيرة من الدول الأعضاء وغير الأعضاء.
الدبلوماسي الأمريكي جورج كينان، وصف توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً في عام 1997 بأنه أكثر الأخطاء المصيرية في السياسة الأمريكية في فترة ما بعد الحرب الباردة بأكملها.
وفي عام 2016، وصف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الناتو بأنه منظمة من الماضي وعفا عليها الزمن، وقال إنها كلفت الولايات المتحدة الكثير من المال.
وربما كان أكبر المنتقدين على الإطلاق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وصف التحالف في عام 2019 بأنه “يلفظ أنفاسه الأخيرة”.
أما روسيا فقد اتهمت الحلف عشية احتفاله بالذكرى الـ75 لتأسيسه بأنه عاد إلى عقلية الحرب الباردة، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا إن الناتو ليس له مكان في “عالم متعدد الأقطاب”.
الحلف من سلوكياته الواضحة أُسس “ليكون أداة بيد الإمبريالية الأمريكية، ومنذ تأسيس الحلف في 4 نيسان 1949، تعاظمت قوة التكتل عبر الأطلسي من 12 عضواً مؤسساً “الولايات المتحدة وبريطانيا والبرتغال والنرويج وهولندا ولوكسمبورغ وإيطاليا وأيسلندا وفرنسا والدنمارك وبلجيكا وكندا”، إلى 32 دولة عضوة من أوروبا وأمريكا الشمالية، تعمل جميعها معاً للحفاظ على سلامة شعوب التكتل.
ويقول الحلف الأطلسي إن هناك قواسم مشتركة تجمع الدول الأعضاء يصنفها على أنها قيم مشتركة للديمقراطية والحرية الفردية وحقوق الإنسان وسيادة القانون.
ووسع الأطلسي طريقة الانضمام إليه وباتت العضوية تأخذ أشكالاً مختلفة سمحت للحلف بالدخول إلى معظم بلدان العالم.
وتتصدر الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وتركيا وإيطاليا وفرنسا، جيوش الحلف، والأسطول الفرنسي يعتبر من أقوى أساطيل الناتو ويشارك بـ126 وحدة بحرية، بينها حاملة طائرات و3 حاملات مروحيات، إضافة إلى 9 غواصات و10 مدمرات، ووحدات بحرية أخرى. وتنشر الولايات المتحدة نحو 85 ألف جندي في أنحاء أوروبا.
وتتكون الصناديق المشتركة لحلف شمال الأطلسي من المساهمات المباشرة في الميزانيات والبرامج الجماعية، التي تعادل 0.3 في المئة فقط من إجمالي الإنفاق الدفاعي للحلف (حوالي 3.3 مليار يورو لعام 2023)، وتمكّن هذه الأموال حلف شمال الأطلسي من توفير القدرات وإدارة المنظمة بأكملها وقياداتها العسكرية.
كما زاد إنفاق الأعضاء الأوروبيين العسكري في الناتو بأكثر من الثلث منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 ليصل إلى 380 مليار دولار.
والفكرة المركزية وراء وجود الناتو، كما هو موضح في المادة 5 من معاهدة تأسيسه، هي أن جميع دول الحلف توافق على الدفاع عن أي دولة أخرى فيه، في حالة وقوع هجوم.
وهذا التعهد الشهير، الوارد في المادة الخامسة من المعاهدة التأسيسية، هو السبب الذي دفع السويد وفنلندا، عقب حرب أوكرانيا، إلى التخلي عن عقود من الحياد للانضمام إلى التحالف هذا العام، ولهذا السبب أيضاً تسعى أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
ولم يلجأ حلف شمال الأطلسي إلى تفعيل المادة الخامسة إلا مرة واحدة ــ مباشرة بعد الهجوم على الولايات المتحدة في الحادي عشر من أيلول 2001. وكان حلفاء أمريكا في حلف شمال الأطلسي على استعداد لتقديم المساعدة للولايات المتحدة وسواء كان ذلك خيراً أو شراً، فقد شارك العديد منهم في وقت لاحق إلى جانب الولايات المتحدة في الحرب على أفغانستان.
ومع ذلك، فإن تفعيل المادة الخامسة – إذا تعرضت أوروبا، على سبيل المثال، لهجوم من روسيا – لا يزال كما يقول الرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول “إما لم يجرب بعد أو مجرد دعاية فارغة”.
فتفعيل المادة يعتمد على استعداد الولايات المتحدة غير المعروف بعد لوضع أوروبا تحت مظلتها الأمنية والتضحية من أجلها، وعلى حد تعبير ديغول : “هل رئيس الولايات المتحدة على استعداد حقاً للتضحية بنيويورك من أجل باريس؟”
وتساءل ترامب في العام الحالي علناً عما إذا كانت الولايات المتحدة ستمد يد العون لو طلب منها.
ليس لدى الناتو جيش دائم بل يعتمد على الدول الأعضاء في تطوع قواتها العسكرية لتنفيذ أي عملية، وعلى هذا فإن دول حلف شمال الأطلسي كافة، توافق على إنفاق 2 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي على الدفاع العسكري من أجل دعم حلف شمال الأطلسي.
وعقب الحرب في أوكرانيا حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن أكثر من مرة نظيره الروسي أن الولايات المتحدة تحت قيادته سوف “تدافع عن كل شبر من أراضي الناتو”.
لكن سلفه ومنافسه ترامب، لا يرى أي قيمة للتضامن عبر الأطلسي والدفاع المتبادل، فكل شيء عنده يتعلق بالمال، ولا ينظر ترامب إلى روسيا بقيادة بوتين على أنها تهديد وجودي للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، ولا تحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون إلى الحماية من روسيا.
وقد أدت الحرب في أوكرانيا إلى إبراز صورة متناقضة وجديدة للتوتر داخل الحلف، فتحول موقف ماكرون من روسيا من النقيض إلى النقيض من الحمائم إلى الصقور.
وما أقرب اليوم إلى الأمس حيث يقول رئيس الحكومة السلوفاكية روبرت فيتسو إن قمم الاتحاد الأوروبي التي هي في صلب “الناتو” تحولت إلى مجالس حرب فقط لا مكان فيها لأي ذكر للسلام وغير قادرة على طرح أي مبادرة سلمية بشأن إنهاء الحرب الأوكرانية.