“إسرائيل” تسعى لفرض “مناطق أمنية” في غزة ولبنان وسوريا: تصعيد متدرّج وملفات مفتوحة على كل الاتجاهات
داما بوست -يوسف المصري
تعمل المؤسسة الأمنية في “إسرائيل”، بدعم مباشر من واشنطن، على إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، منذ عملية طوفان الأقصى، عبر الدفع نحو إنشاء “مناطق عازلة” في غزة وجنوب لبنان وجنوب سوريا، في سياق استراتيجية تهدف إلى توسيع نطاق الأمن الإسرائيلي خارج حدود الكيان، واستثمار حالة التفكك القائم في المنطقة.
لبنان… ضغط أمريكي ومخطط لاستنزاف الجيش:
رغم اتفاق وقف إطلاق النار قبل نحو عام، ما يزال لبنان تحت وطأة العدوان الإسرائيلي المستمر. وتضغط واشنطن على الدولة اللبنانية لدفع الجيش اللبناني نحو مواجهة مفتوحة مع حزب الله، في محاولة لنزع سلاحه، الأمر الذي يراه مراقبون تمهيدًا لمرحلة تكون فيها الأراضي اللبنانية مكشوفة أمام “إسرائيل” بشكل كامل.
سوريا… فراغ سياسي وتمدد إسرائيلي بلا رادع:
منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل عام، تسارعت خطوات “الجيش الإسرائيلي” للسيطرة على مساحات واسعة جنوبي سوريا، أبرزها قمة جبل الشيخ الاستراتيجية المطلة على الحدود السورية ـ اللبنانية، ما يسمح لتل أبيب بمراقبة العاصمة دمشق وطريق دمشق–بيروت.
وبالتوازي، تتواصل عمليات التوغل الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، وسط غياب ردّ فعّال من السلطة الانتقالية. وخلال عام واحد، نفّذت “إسرائيل” المئات من عمليات الدهم والاعتقالات بحق مواطنين سوريين باتهامات متفرقة، قبل أن تندلع مواجهتان مباشرَتان: الأولى في درعا، والثانية قبل أيام في بيت جن بريف دمشق، حيث قُتل 13 سوريًا إثر قصف إسرائيلي أعقب هجومًا من شبان محليين على دورية إسرائيلية، أدى – وفق اعتراف “الجيش الإسرائيلي” – إلى إصابة 6 من عناصره، بينما تحدث الإعلام العبري عن 13 إصابة.
كذلك اعتقل جيش الاحتلال الإسرائيلي ثلاثة شبان سوريين من بيت جن، أُفرج عن أحدهم لاحقًا.
إعلام الاحتلال يحاول تسييس المواجهة:
تعددت الروايات الإسرائيلية حول هوية الشبان السوريين، بين اتهامات بالانتماء للجماعة الإسلامية في لبنان، ثم الادعاء بارتباطهم بالسلطة السورية الانتقالية برئاسة أحمد الشرع، وصولاً إلى ربطهم بإيران وحزب الله.
ويرى محللون أن الهدف من ذلك نفي الطابع الشعبي للمقاومة السورية، وتسويق رواية مفادها أن السوريين لم يعودوا راغبين بالتصدي لـ “إسرائيل”، وأن أي ردّ محلي مصدره ارتباط مع “جهات خارجية”. يأتي ذلك في سياق مناورات سياسية مرتبطة بالمفاوضات المباشرة بين “إسرائيل” وحكومة الشرع، والتي لم تتوصل لاتفاق نهائي بسبب خلافات على بعض البنود، أو لعدم رغبة إسرائيلية.
بيت جن… شرارة أولى في مرحلة تصعيد جديدة:
لا تبدو حادثة بيت جن مجرّد اشتباك محلي؛ إذ تحمل مؤشرات تصعيدية عدّة:
1. زيارات عسكرية إسرائيلية إلى الجولان المحتل
زيارة قائد المنطقة الشمالية الشرقية لمواقع في الجولان وتصريحه بأن “إسرائيل في حالة تأهب” تحمل دلالتين:
ضغط سياسي على دمشق للقبول باتفاق أمني أشبه بالاستسلام.
استعداد عسكري لتقييم الجاهزية ووضع سيناريوهات المواجهة.
2. زيارة مرتقبة لرئيس الأركان “الإسرائيلي” إلى واشنطن
تحمل الزيارة ملفات تشمل الجنوب السوري، وسط معلومات عن استخدام “تل أبيب” مبررات “أمنية” لطلب ضوء أخضر أمريكي لعمليات تصعيدية.
3. الصمت الإسرائيلي الرسمي بشأن ما جرى في بيت جن
غياب التصريحات من الطبقة السياسية والعسكرية يدلّ على وجود نقاشات داخلية تشمل:
1- تقييم نتائج العملية التي وُصفت بالمخيّبة.
2- الوقوف على طبيعة الموقف الأمريكي.
3- دراسة خيارات التصعيد أو اعتماد بدائل كالاستهدافات الجوية والاغتيالات والإنزالات الجوية.
4- انتظار نتائج التحقيق مع المعتقلين لبناء رواية قد تُستخدم لتبرير خطوات لاحقة.
4. هشاشة الوضع السوري… فرصة ذهبية لـ “إسرائيل”
استمرار الانقسام، والتوتر الطائفي، وغياب جيش سوري قوي ومتماسك ومنظم، كلها عوامل تمنح “إسرائيل” قدرة دائمة على التدخل تحت عنوان “حماية حدودها وحماية الأقليات”.
الجبهة الشمالية أمام سيناريوهات خطيرة:
التصعيد لا يقتصر على سوريا. فاغتيال “إسرائيل” لقائد أركان حزب الله هيثم علي الطبطبائي، يُعد مؤشرًا حساسًا لاحتمال تحولات أكبر في الجبهة اللبنانية – السورية بعد زيارات دبلوماسية لافتة، منها زيارة بابا الفاتيكان للبنان، وزيارة المبعوث الأمريكي لسوريا توم باراك إلى العراق، في سياق يهدف – وفق مصادر مطلعة – لضبط الفصائل العراقية ومنعها من دخول مواجهة إقليمية محتملة.
عودة “المقاومة الشعبية” في سوريا؟!
أحداث بيت جن تُعدّ امتدادًا لنشاط شعبي بدأ في درعا، وهو ما يشير -ربما- إلى ولادة موجة رفض ومقاومة سورية شعبية محلية في مواجهة التوغلات الإسرائيلية. هذا التحول، إن استمر، قد يترك آثارًا كبيرة، منها:
1- انتشار ثقافة المقاومة الشعبية في الجنوب السوري.
2- دفع “إسرائيل” إلى تكثيف الضربات الجوية.
3- محاولة تطبيق “نموذج الضفة الغربية” في الجنوب السوري عبر التضييق، وقطع الطرقات، وتوسيع القواعد العسكرية.
تحالفات جديدة تتشكل… تركيا تعود إلى الواجهة:
تسريبات تتحدث عن زيارات لوفود من حزب الله إلى تركيا، وتنسيق عبر أنقرة بين الحزب ودمشق، إلى جانب زيارة وزير الخارجية التركي حقان فيدان وصاحب اليد العليا في الملف السوري إلى طهران، بالإضافة إلى تحضيرات لزيارة الرئيس التركي إلى إيران. كل ذلك يشير إلى إعادة تشكل محور مضاد للمحور الأمريكي – الإسرائيلي، ربما لأول مرة بمشاركة تركية، وذلك بسبب شعور تركيا بأنها خسرت كثيراً في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، خاصةً أنها لم تستطع الانتشار في العمق السوري بسبب التهديدات الإسرائيلية والاستهداف الإسرائيلي لمطار الـ “تي فور” وسط البادية السورية التي كانت تنوي تركيا إقامة قاعدة لها ضمنه.
من غزة إلى لبنان وسوريا، تسعى “إسرائيل” إلى إقامة “طوق أمني” واسع يضمن لها هامشًا أكبر من السيطرة ويستغل حالة الاضطراب الإقليمي.
أمّا جنوب سوريا فيقترب من مرحلة حساسة؛ فبوادر المقاومة الشعبية بدأت تظهر، و”إسرائيل” تتهيأ للتصعيد، والولايات المتحدة تراقب لترسم حدود اللعبة المقبلة.
إقرأ أيضاً: اشتباكات بيت جن: تصعيد إسرائيلي غير مسبوق يكشف تحولات الجنوب السوري
إقرأ أيضاً: إسرائيل تثبّت نقاطًا عسكرية في رخلة: خطوة استراتيجية تهدد أمن دمشق وبيروت