التربية السورية تفصل آلاف المعلمين المُعادين وتحوّلهم لوكلاء مؤقتين
بعد أكثر من عقدٍ من الزمن على فصلهم لأسباب سياسية في عهد النظام السابق، عاش آلاف المعلمين السوريين فرحة قصيرة الأمد إثر صدور قرارات حكومية تتيح لهم العودة إلى وظائفهم. لكن هذه الفرحة سرعان ما تحولت إلى خيبة أمل مريرة، بعد أسابيع قليلة من مباشرتهم العمل.
بدأ عدد كبير من هؤلاء المعلمين، الذين عادوا من دول الجوار (مثل تركيا ولبنان) بتركيز على بناء حياتهم مجدداً في سوريا، بتلقي قرارات مفاجئة تُنهي تكليفهم وتحوّلهم إلى وكلاء مؤقتين أو تفصلهم مجدداً، وذلك دون تقديم أي تبريرات واضحة أو توضيحات رسمية من وزارتي التربية أو التنمية الإدارية.
وعود بالاستقرار انتهت إلى “لا شيء”
تحدث عدد من المعلمين لموقع “الحل نت” عن تفاصيل معاناتهم، مؤكدين أنهم غادروا حياتهم المستقرة في الخارج بناءً على وعود العودة للوظيفة، ليجدوا أنفسهم الآن دون راتب أو ضمان وظيفي:
- خداع الوعود: معلمة عادت من تركيا تقول إنها قدمت أوراقها وبدأت الدوام، لتتفاجأ بعد شهر واحد بقرار من مدير التنمية الإدارية في إدلب بإنهاء التكليف وتحويلهم إلى معلمي وكلاء. وتضيف: “تركتُ منزلي في تركيا، وعدتُ للمساهمة في بناء بلدي، لكني اليوم أعيش دون راتب ودون ضمان لوظيفتي… أكثر من ألفي معلم ومعلمة عادوا من دول الجوار، وكلنا في المصير ذاته”.
- الوهم بالتثبيت: معلمة أخرى عادت من لبنان، خضعت لاختبار في أيلول (سبتمبر) وصدر قرار تكليفها، فظنت أنها “أصبحت مثبتة”. لكن بعد شهر أنهي التكليف دون إنذار أو تقاضي راتب واحد. وحين طالبوا بصورة من القرار قيل لهم ببساطة: “لا يوجد”.
- مصطلح “جماعة العقود”: عند مراجعة التربية، كان الرد أن “أنتم جماعة العقود، انتهى عقدكم”، رغم أن المعلمين يؤكدون أنهم يحملون أرقاماً ذاتية ومسجلون في سجلات الدولة، وكان من المعتاد تثبيت معلمي العقود قبل انقضاء خمس سنوات من الخدمة.
مناشدات غاضبة وتساؤلات مُعلّقة
عبّر المعلمون عن غضبهم وحنقهم مما وصفوه بـ “التلاعب بمصير آلاف الأسر”، خاصة بعد أن تكبدوا عناء وتكاليف العودة وترميم بيوتهم المهدّمة أملاً في الاستقرار.
- رسالة مُباشرة: أصدر معلمو العقود المفصولون مناشدة رسمية تساءلوا فيها: “هل لدى وزارة التربية نية حقيقية لإنصافنا والاستفادة من خبراتنا؟ أم أن تجاهل ملفنا أصبح سياسة دائمة؟”
- سؤال مؤلم: أحد المعلمين تساءل بحسرة: “لماذا أعادونا من البداية؟ هل نحن لعبة بأيديهم؟ كان من الأفضل أن يقولوا لنا من الأول لا تعودوا!”
اللجنة المركزية تتحدث عن “العدالة” في وجه “الواقع المُخالف”
في المقابل، أكد المستشار جهاد الدمشقي، رئيس اللجنة المركزية المختصة بدراسة أوضاع المفصولين، أن معالجة أوضاع ما يقارب 75 ألف متقدم للعودة هي “أولوية وطنية” وتشكل أحد مسارات العدالة الانتقالية.
وأشار إلى أن اللجنة في مراحلها النهائية لوضع خطة شاملة لجبر الضرر واحتساب سنوات الانقطاع ضمن مدة الخدمة.
لكن واقع المعلمين في الميدان يبدو بعيداً كل البعد عن هذه الوعود، حيث تتزايد حالات الغضب جراء القرارات المتناقضة والغامضة.
تبدو قضية هؤلاء المعلمين مرآةً لخلل أعمق في إدارة الملفات الانتقالية في سوريا، حيث تُصدر القرارات ثم تُتراجع، وتُطلق الوعود ثم تُنسى، بينما يعيش حوالي 2500 معلم ومعلمة في حالة من القلق وعدم الاستقرار.
اقرأ أيضاً:التعليم في سوريا: 40% من المدارس مدمرة و3 ملايين طفل محرومون من الدراسة
اقرأ أيضاً:القنيطرة – طلاب مدينة السلام بين تحديات الاحتلال والواقع التعليمي