ريف حلب.. قرى منسية بلا مراكز طبية

يعيش سكان عشرات القرى في عمق ريف محافظة حلب شمالي سورية، وسط غياب شبه كامل للخدمات الطبية الأساسية، ما يضطر الأهالي إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى أقرب مركز صحي. وفي كل حالة إسعافية، يتحول الطريق إلى رحلة محفوفة بالمخاطر، بينما تزيد الأوضاع المعيشية الصعبة والفقر من حدة معاناتهم.
ويعزو الأهالي هذا الواقع إلى سنوات من تدمير البنية التحتية الصحية وتراجع الدعم الإنساني، مطالبين بإنشاء نقاط إسعافية ونشر فرق صحية جوالة، على أمل أن تستجيب المنظمات والجهات المعنية لإنهاء معاناتهم اليومية.

معاناة يومية وخوف دائم

من ريف منبج، يقول نواف الأحمد إن عدم وجود نقطة طبية أو مستوصف أو مركز إسعافي يجعل الأهالي يعيشون في خوف مستمر، إذ قد تنتهي أي وعكة صحية مفاجئة بالوفاة. ويضيف لـ”العربي الجديد”: “حتى أبسط الأمراض صارت مدعاة للقلق، لأن الوصول إلى طبيب يتطلب ساعات من السفر الشاق، فيما سيارات الإسعاف القادمة من منبج غالباً ما تصل متأخرة بسبب بُعد المسافة ووعورة الطرق، ما يفقدها جدواها”.
ويؤكد الأحمد أن القرية فقدت أكثر من مريض خلال السنوات الماضية نتيجة تأخر وصول الإسعاف، بينهم نساء وأطفال، مضيفاً أن استمرار الوضع الحالي يرسّخ شعور السكان بأنهم متروكون لمصيرهم من دون أي دعم صحي.

غياب المرافق الطبية حتى في الحالات البسيطة

أما حميدة النجار، وهي أم لخمسة أطفال من قرية أبو حنايا، فتوضح أن قريتها تخلو من أي خدمات صحية، حتى الصيدليات غير موجودة. ويعاني أطفالها من أمراض تنفسية متكررة بسبب تقلبات الطقس والرطوبة في المنازل الطينية، ما يضطرها إلى اللجوء للأدوية العشبية والوصفات الشعبية.
وتضيف النجار: “كثيراً ما نجرّب أدوية عدة حتى نجد ما يخفف المرض. جارتي توفيت بسبب نوبة ضيق تنفس تحولت إلى جلطة قلبية، ولو كان هناك مركز صحي قريب لنجت، لكننا وصلنا إلى المستشفى بعد ساعتين وكانت قد فارقت الحياة”.

الأمراض المزمنة معاناة مضاعفة

ويروي عبد الكريم السلمو من قرية العريمة معاناته مع الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري، قائلاً: “أضطر للسفر شهرياً إلى مدينة الباب لشراء الدواء، ما يستنزف دخلي البسيط. أحياناً أستغني عن بعض الجرعات بسبب ارتفاع التكلفة أو انقطاع الدواء”. ويشير إلى أن غياب المتابعة الطبية يجعله عرضة لمضاعفات خطيرة، مؤكداً أن كبار السن في القرى هم الأكثر عرضة للخطر بسبب عجزهم عن تحمل مشقة السفر أو تكاليف العلاج.

الأطباء يقرّون بالأزمة

من جهته، يؤكد الطبيب وائل المحمد، اختصاصي الأمراض الباطنية في مشفى حلب الجامعي، أن معظم الحالات التي تصل إلى المشفى من أرياف حلب تكون إسعافية أو في حالة حرجة. ويقول: “النقص لا يقتصر على غياب المراكز الطبية والمستوصفات، بل يمتد إلى الكوادر والمعدات، كما أن سيارات الإسعاف قليلة وغالباً غير مجهزة، ما يضاعف المخاطر”.
ويشدد المحمد على أن سد الفجوة الصحية في ريف حلب يتطلب تدخلاً عاجلاً من المنظمات الدولية، عبر فرق طبية جوالة ومراكز إسعافية تغطي القرى المحرومة، محذراً من أن استمرار الوضع الراهن يعني المزيد من الخسائر البشرية.

الوزارة: توقف التمويل وراء الأزمة

في المقابل، يوضح رئيس دائرة برامج الصحة العامة في حلب، فراس دهميش، أن توقف عمل عدد من المراكز الصحية في ريف المحافظة يعود أساساً إلى توقف التمويل المقدم من المنظمات الداعمة أو انتهاء مدة المشاريع. ويضيف: “المراكز لم تكن مرتبطة بخطط دائمة بل بمشاريع محددة زمنياً”.
ويكشف دهميش أن وزارة الصحة وضعت ثلاث خطط للتعامل مع الأزمة: خطة طارئة، وأخرى سريعة، إضافة إلى خطة طويلة الأمد لضمان استمرار الخدمات الصحية. ويشير إلى أن عدداً من المراكز قيد التأهيل حالياً ضمن شراكات جديدة، بينما يجري العمل على إعادة تفعيل المراكز المتوقفة بشكل تدريجي.
كما لفت إلى أن مديرية صحة حلب أنجزت تقييماً شاملاً للمراكز الصحية شمل بنيتها التحتية واحتياجاتها من التجهيزات والكوادر. وأضاف: “التدخلات الطارئة تجري عبر العيادات المتنقلة التي تقدم الفحوص العامة، متابعة الأمراض المزمنة، خدمات الحمل والولادة، لقاحات الأطفال، وصرف الأدوية الأساسية، إلى حين إعادة تفعيل المراكز بشكل كامل”.

ويؤكد دهميش أن كل منطقة صحية تضم عدداً من المراكز، مشيراً إلى أن منطقة منبج وحدها تضم 28 مركز رعاية صحية أولية، تعمل الوزارة حالياً على إعادة تفعيل المتوقف منها لاستعادة دورها الطبيعي.

اقرأ أيضاً:وزارة الصحة تتلقى 89 شكوى ضد المشافي الخاصة منذ مطلع العام

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.