روسيا في سوريا: دعم “مشروط” للشرع وسط تحديات هشّة
منذ الأيام الأولى لسقوط النظام السوري السابق في كانون الثاني 2024، حافظت روسيا على علاقة غير صدامية مع السلطة الجديدة في دمشق بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع.
كشفت الخطوات الدبلوماسية المتسارعة عن نية واضحة لدى الطرفين في الإبقاء على مستوى معيّن من العلاقات، بدءاً من الاتصال الهاتفي الأول بين الرئيس فلاديمير بوتين والشرع، وصولاً إلى زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو، ودعوة الرئيس الروسي،الشرع لحضور القمة الروسية-العربية.
يؤكد هذا التنسيق أن موسكو مصرّة على التمسك بوجودها في سوريا، وإظهار دعمها لوحدة البلاد واستقرارها. وبحسب الخبير والباحث الأول في «مركز دراسات الشرق الأوسط» التابع لـ«معهد بريماكوف الوطني لبحوث الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية» (IMEMO)، نيكولاي سوخوف خلاله حديثه لجريدة “الأخبار” اللبنانية، فإن إحدى أهم علامات هذا التنسيق هي اهتمام الحكومة الانتقالية السورية باستعادة دوريات الشرطة العسكرية الروسية في المحافظات الجنوبية، خاصة في ظل النشاط الإسرائيلي المستمر، إذ ترى دمشق في هذه الدوريات أداة لتحقيق الاستقرار وتجميد الجبهة الجنوبية.
اقرأ أيضاً:بين دمشق وتل أبيب .. هل يتقاطع الاتفاق الأمني مع الطموحات التركية؟
موقف روسيا من “الممر الإنساني”
إزاء الحديث عن مساعٍ لإنشاء “ممر إنساني” يربط إسرائيل بالسويداء، يحذر سوخوف من “إشكاليات خطيرة” تحيط بهذا المشروع. يرى أن مثل هذا الممر قد يُفهم كخطوة نحو تجزئة مقنّنة، واحتلال فعلي للأرض من قبل إسرائيل، وتطبيع على حساب السيادة السورية. الموقف الروسي واضح: لا يمكن القبول إلا بصيغة إنسانية بحتة ومؤقتة، وتحت إشراف دولي موثوق (كالأمم المتحدة أو الصليب الأحمر الدولي)، بحيث تندرج العملية في إطار السيادة السورية ولا تؤسس لأنظمة أمنية أو اقتصادية استثنائية.
تقييم الأداء والسياق الداخلي
رغم أن السلطة الجديدة في سوريا أظهرت قدرة على بناء مؤسسات والتواصل مع الشركاء الخارجيين، يرى الباحث ألكسندر أكسينيونوك في ورقة بحثية بعنوان “سوريا الجديدة: إلى أين؟” أن الإعلان الدستوري الصادر في 13 آذار 2025 كشف عن غياب السيطرة الفعلية على المجموعات المسلحة وضعف حماية الأقليات، مما أثار تساؤلات حول وعود “الشمولية”.
اندلاع اشتباكات مسلحة وأعمال انتقامية واسعة النطاق في المناطق الساحلية والوسطى والجنوبية ابتداءً من شهر آذار، يكشف عن عدم إمكانية الاعتماد على القوة وحدها للحفاظ على الأمن. هذه الأحداث سلطت الضوء على وجود فصائل سلفية قوية داخل الهيكل الحاكم نفسه، والتي تعمل على الأرجح خارج نطاق السيطرة المركزية.
يرى سوخوف أن أولويات روسيا في هذا السياق تتركز على دعم إصلاح قطاع الأمن، وحماية الأقليات (العلويين والدروز والمسيحيين والأكراد)، وتعزيز هرمية إدارة الأجهزة الأمنية. بناءً على هذه الأولويات، تسعى روسيا لتحقيق توازن بين تعزيز بناء دولة سورية موحدة وفعالة، وفي الوقت نفسه الحيلولة دون نشوء “مناطق عازلة” مفروضة بالقوة.
رهان روسيا على “الفرصة المشروطة”
تُفسّر المبادرات الروسية في اتجاه تطبيع العلاقات مع السلطة الجديدة على أنها نابعة من قناعة بضرورة “منح الإسلاميين الموجودين في السلطة فرصة” لاختبار “اعتدالهم وقدرتهم على تهميش الجناح الجهادي”. ترى موسكو أن السلطة الحالية أمام فرصة لـ”تخفيف العبء عن السوريين العاديين، والبدء ببناء دولة حديثة ذات طابع إسلامي ومؤسسات تمثيلية”.
ومع ذلك، لا يشير هذا الموقف بالضرورة إلى تفاؤل روسي بقدرة السلطة الجديدة على بناء الدولة في ظل التعقيدات الداخلية والدولية. يشير أكسينيونوك في ورقته البحثية إلى أن عملية تسلّم السلطة كانت “شكلية” إلى حد كبير، تمت تحت رقابة صارمة، وأدت إلى تمتع الرئيس الجديد بسلطات مطلقة.
يؤكد أكسينيونوك أن وصول الشرع إلى السلطة لم يكن “انقلاباً عسكرياً” بقدر ما كان نتيجة “تدهور الدولة السورية من الداخل”، حيث فقد النظام السابق ثقة الجيش ومعظم السكان. هذا الانهيار الداخلي، إلى جانب التهديد الوشيك بانهيار مالي واقتصادي، يزيد من “خطر حصول انفجار اجتماعي حقيقي”، مما يجعل “العلامات المبكرة للاستقرار في سوريا هشة للغاية”.
اقرأ أيضاً:روسيا تدعم سوريا والشيباني يدعو لتعاون أوسع في العدالة الانتقالية، ويؤكد: لا عداوة لإسرائيل
اقرأ أيضاً:ماذا طلبت سوريا من روسيا بشأن الجنوب السوري؟