لبنان يدعو لتشكيل لجنة مشتركة مع سوريا لترسيم الحدود: التعقيدات تتجاوز الجغرافيا

ما زال ملف ترسيم الحدود البرية بين سوريا ولبنان واحدًا من أبرز الملفات الشائكة بين البلدين، رغم التصريحات المتبادلة حول الرغبة في التعاون. ووسط هذه الضبابية، شدّد وزير الخارجية اللبناني، يوسف رجي، على أن عملية الترسيم “معقدة للغاية”، داعيًا إلى تشكيل لجنة تقنية سورية-لبنانية مشتركة لمعالجة الملف بشكل منهجي.

وفي تصريح صحفي قال الوزير اللبناني إن “التعقيد في هذا الملف يعود إلى عوامل عدة، من أبرزها التداخل الجغرافي والديموغرافي، إلى جانب غياب ترسيم واضح للحدود الإدارية المشتركة”.
وأكد أن الجانب السوري أبدى استعدادًا للعمل مع بيروت على ترسيم الحدود وتثبيتها، مشيرًا إلى أن “البلدين يعملان على تعزيز القدرات الأمنية لضبط الحدود وضمان استقرارها”.

تحركات رسمية بعد سقوط النظام السابق

وكانت قضية ترسيم الحدود قد عادت إلى الواجهة لأول مرة بعد سقوط نظام الأسد، مع توقيع اتفاق في جدة نهاية مارس الماضي بين وزير الدفاع السوري الانتقالي، مرهف أبو قصرة، ونظيره اللبناني ميشال منسى. وقد نص الاتفاق على “أهمية الترسيم القانوني للحدود”، وتشكيل لجان فنية متخصصة لمتابعة الملف.

كما ناقش الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، هذا الملف مع رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، خلال لقائهما في دمشق منتصف أبريل، حيث تم التأكيد على ضرورة تعزيز التنسيق الأمني وتثبيت نقاط المراقبة المشتركة.

عقدة القرى المتداخلة والحدود التاريخية

يعاني ملف ترسيم الحدود بين البلدين من عوامل معقّدة أبرزها وجود نحو 14 بلدة وقرية متداخلة، يسكنها سكان يتنقلون يوميًا بين البلدين ويحمل بعضهم جنسيتين، ما يصعّب فرض ترسيم حادّ دون المساس بالتركيبة الاجتماعية والاقتصادية المحلية.

إضافة إلى ذلك، فإن الحدود الحالية ليست ناتجة عن اتفاق دولي حديث، بل تعود جذورها إلى التقسيم الإداري الذي فرضه الانتداب الفرنسي في عشرينيات القرن الماضي، بناءً على خرائط عثمانية غير دقيقة. وهذا ما خلق وضعًا فريدًا من نوعه، حيث لا توجد خطوط فاصلة دولية معترف بها بالكامل، بل مناطق تماس جغرافي وإداري معقّد.

ورغم انتشار الجيشين على جانبي الحدود، لا تزال الطبيعة الجغرافية الجبلية الوعرة، ووجود طرق فرعية غير رسمية، تشكّل تحديًا أمنيًا دائمًا للبلدين. وتُعد المناطق الحدودية نقاطًا حساسة من الناحية الأمنية والاقتصادية، إذ تستخدم أحيانًا لتهريب السلع أو التنقل غير الرسمي.

خلاصة المشهد

مع كل هذه التحديات، يبدو أن التقدّم في ملف ترسيم الحدود يتطلب توافقًا سياسيًا وإرادة تقنية مشتركة بين دمشق وبيروت، إلى جانب مراعاة حساسية السكان المحليين والواقع الميداني المعقّد. وحتى تشكيل اللجنة التقنية المشتركة، يبقى الترسيم رهن النوايا والتفاهمات، أكثر منه خطوة قابلة للتنفيذ الفوري.

إقرأ ايضاً: وفد وزاري سوري قريباً إلى لبنان.. ماذا سيبحث الجانبان؟

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.